للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: (قال مجاهد في قوله تُبْتُ إِلَيْكَ من مسألة الرؤية في الدنيا. . وقيل قاله على جهة الإنابة والخشوع له عند ظهور الآيات – كما مر -. وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية) (١).

قال الرازي: قوله تعالى: وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يعني أول المصدقين أنه لا يراك أحد في الدنيا. أو يقال: وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأنه لا يجوز السؤال منك إلا بإذنك (٢).

وسيأتي إن شاء الله تعالى للبحث زيادة عند الاستدلال بهذه الآية عند أهل السنة.

ثالثا: مما استدلوا به على نفي قولهم: إن الله تعالى ما ذكر سؤال الرؤية في موضع من كتابه إلا واستعظمه، وورد ذكر ذلك في ثلاث آيات:

الأولى:

قوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا [الفرقان: ٢١].

وطالب الممكن لا يكون عاتيا مستكبرا بل يكون بمنزلة طلب سائر المعجزات.

الثانية: قوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ [البقرة: ٥٥].

ولو أمكنت الرؤية لما عاقبهم بسؤالها في الحال.

الثالثة: قوله تعالى: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا [النساء: ١٥٣]. فقد سمى الله تعالى ذلك السؤال ظلما وجازاهم به في الحال بأخذ الصاعقة، ولو جاز كونه مرئيا لكان سؤالهم هذا سؤالا لمعجزة زائدة، ولم يكن ظلما ولا سببا للعقاب (٣).

والجواب عن هذا: أن الاستعظام إنما كان لطلبهم الرؤية تعنتا وعنادا. قال أبو الحسن الأشعري: (إن بني إسرائيل سألوا رؤية الله عز وجل عن طريق الإنكار لنبوة موسى، وترك الإيمان به حتى يروا الله، لأنهم قالوا: لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فلما سألوه الرؤية عن طريق ترك الإيمان بموسى عليه السلام حتى يريهم الله سؤالهم من غير أن تكون الرؤية مستحيلة عليه، كما استعظم الله سؤال أهل الكتاب أن ينزل عليهم كتابا من السماء من غير أن يكون ذلك مستحيلا ولكن لأنهم أبوا أن يؤمنوا بنبي الله حتى ينزل عليهم من السماء كتابا) (٤).

كما أنكر قول من قال: وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا إلى قوله أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ [الإسراء:٩٣] لأنه إنما كان على وجه الاستخفاف بالرسل والتمرد لا على طلب الزيادة في العلم، ولو كان طلب الرؤية ممتنعا في ذاته لمنعهم موسى عليه السلام عن ذلك، كما منعهم حين طلبوا أمرا ممتنعا، وهو أن يجعل لهم صنما إلها يعبدونه كما يفعل غيرهم إذ قال لهم: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأعراف: ١٣٩].


(١) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (٧/ ٢٧٩).
(٢) ((الفخر الرازي)) (١٤/ ٢٣٥).
(٣) ((المختصر في أصول الدين)) (١٩١)، ((شرح الأصول الخمسة)) (٢٦٢).
(٤) ((الإبانة عن أصول الديانة)) (١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>