للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: هذا معارض بجملة العاديات، ثم إن كان مأخذ الجزم بعدم الحملات والبوقات ما ذكرتم من وجوب الرؤية عند اجتماع شرائطها لوجب ألا نجزم به إلا بعد العلم بهذا، واللازم باطل، لأنه لا يجزم به من لا يخطر بباله هذه المسألة ولأنه ينجر إلى أن يكون ذلك الجزم نظريا مع اتفاق الكل على كونه ضروريا. سلمنا أنه عند تحقق الشرائط في الشاهد يكون الإدراك واجب الحصول فلم قلتم: إنه في حق الله تعالى يجب أن يكون كذلك، مع أن ذات الله مخالفة في الحقيقة والماهية لهذه الحوادث، والمختلفات لا يجب استواؤهما في اللوازم، فلم يلزم من كون الإدراك واجبا في الشاهد عند حضور هذه الشرائط كونه واجبا في الغائب عند حضورها. فلا يمتنع أن يكون الإدراك في الشاهد واجب الحصول وفي الغائب لا يجب ذلك، وسبق تقرير هذا الكلام في الرد على الدليل السابق (١). لذا صح بطلان دليل الموانع ورد الرازي على الدليل في غاية القوة حيث أنه أثبت معنوية الإدراك وكان اعتمادهم في الاستدلال على نفي المعنوية عن الإدراك، فبين عدم وجوبه مع صحة الحاسة وارتفاع الموانع، والله أعلم. ثالثا: من أدلة المعتزلة على نفي الرؤيا الانطباع: وتقريره كما ذكر الرازي: (أن كل ما يكون مرئيا فلا بد وأن تنطبع صورته ومثاله في العين، والله تعالى يتنزه عن الصورة والمثال، فوجب أن تمتنع رؤيته) (٢).رابعا: إن كل ما كان مرئيا فلا بد له من لون وشكل، ودليله الاستقراء والله تعالى منزه عن ذلك فوجب ألا يرى (٣).

والجواب عن الدليلين: هو: منع كون الرؤية بالانطباع، ومنع كون المرئي ذا لون وشكل، إما مطلقا أو في الغائب لعدم تماثل الرؤيتين، فرؤية الخالق ليس كرؤية المخلوق، فلا يجب هذا في حق الله تعالى حيث إن ذات الله مخالفة بالحقيقة والماهية لهذه الحوادث والمختلفات في الماهية لا يجب استواؤهما في اللوازم (٤).

والحكم بأن المرئي لابد وأن تنطبع صورته ومثاله في العين، وأنه لا بد وأن يكون ذا لون وشكل مبني على أن هذه الأشياء المشاهدة المحسوسة لا ترى إلا كذلك. ثم قالوا لو صح أن يرى الله فلا يرى إلا كذلك وهو ممنوع في حقه تعالى، والحق أنه تحكم محض وقياس للخالق على المخلوق، وهو باطل قطعا لأنه قياس مع الفارق، فالله تعالى ليس كمثله شيء، ولا يشبهه شيء من خلقه، فلا يصح قياسه عليه. قال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: ١ - ٤]، وقال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١].

المصدر:رؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها لأحمد بن ناصر آل حمد – ص٥٥


(١) ((الأربعين في أصول الدين)) للرازي (٢١٥)، ((شرح المواقف)) للجرجاني (٨/ ١٣٦).
(٢) ((الأربعين في أصول الدين)) للرازي (٢١٣).
(٣) ((الأربعين في أصول الدين للرازي)) (٢١٥)، ((التمهيد)) للباقلاني (٢٧٧).
(٤) ((شرح الجرجاني للمواقف)) (٨/ ١٣٩)، ((الأربعين في أصول الدين للرازي)) (٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>