للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: من أدلة النقل على جواز رؤية الله تعالى:

استنبط بعض العلماء دليلا على جواز رؤية الله تعالى مطلقا من قوله لموسى عليه الصلاة والسلام بعدما منعه الرؤية قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:١٤٤]. فقال إسماعيل البروسوي عند تفسير الآية: فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ يعني ما ركبت فيك استعداده، واصطفيتك به من الرسالة والمكالمة وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ فإن الشكر يبلغك إلى ما سألت من الرؤية لأن الشكر يستدعي الزيادة لقوله تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:٧] والزيادة هي الرؤية لقوله تعالى لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:٢٦] وقال عليه الصلاة والسلام الزيادة هي الرؤية والحسنى هي الجنة") (١).

وقال الرازي: (اعلم أن موسى عليه السلام لما طلب الرؤية ومنعه الله منها، عدد الله عليه وجوه نعمه العظيمة التي له عليه، وأمره أن يشتغل بذكرها كأنه قال له إن كنت قد منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النعم العظيمة كذا وكذا، فلا يضيق صدرك بسبب منع الرؤية، وانظر إلى سائر أنواع النعم التي خصصتك بها واشتغل بشكرها. والمقصود تسلية موسى عليه السلام عن منع الرؤية، وهذا أيضا أحد ما يدل على أن الرؤية جائزة على الله تعالى، إذ لو كانت ممتنعة في نفسها لما كان إلى ذكر هذا القدر حاجة) (٢).

وأرى أن الاستدلال بهذه الآية على الجواز قوي، لأن الله تعالى عدد لموسى عليه السلام هذه النعم التي أنعم بها عليه لما منعه من حصول جائز طلبه منه فذكر ما ذكر تسلية له، ولو منعه من ممتنع لكان بخطاب آخر، وذلك مثل خطابه تعالى لنوح عليه السلام حين قال:

رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود: ٤٦].

وقوله تعالى لإبراهيم عليه السلام حين قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: ٢٦٠].

والفرق بين خطاب الله تعالى لموسى عليه السلام، وبين خطابه لنوح وإبراهيم عليهما السلام ظاهر.

ثالثا: من أدلة أهل السنة والجماعة النقلية على جواز الرؤية:


(١) ((تفسير روح البيان)) للبروسوي (٣/ ٢٣٩).
(٢) ((التفسير الكبير)) للرازي (١٤/ ٢٣٥)، ((روح المعاني)) للألوسي (٩/ ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>