للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرت عند عرضي لرأي النظام ومعمر أنهما يذهبان إلى أن المتولدات من أفعال الله تعالى بإيجاب الخلقة: ونقول: إن هذا الرأي يشتمل على حق وباطل؛ فأما قولهم: إن المتولدات من أفعال الله تعالى، فهو حق. وأما قولهم: بإيجاب الخلقة؛ فإنه باطل، ولذلك خطأهم البغدادي حيث قال: "وزعم النظام منهم أن المتولدات كلها من أفعال الله تعالى بإيجاب الخلقة ... ثم قال: وهذا القائل عندنا مصيب في قوله: إن الله خالق المتولدات ومخطئ في دعواه إيجاب الخلقة على معنى أن الله طبع الحجر على أن لا يقف في الهواء، لأن وقوفه جائز عندنا ... " (١).كذلك رد القاضي على النظام ومن معه، ونختار من ردوده ما يتناسب والجزء المرفوض لدينا من قول النظام، وهو قوله " ... بإيجاب الخلقة". أي: أن الله طبع الحجر طبعا على أن يذهب إذا دفعه دافع، وينزل إذا رماه رام (٢). فنقول وبالله التوفيق:١ - يرى القاضي أنه بناء على هذا القول: يلزم العبد أن لا يفعل شيئاً من الأعراض أو الأفعال أصلاً على وجه يتعلق به الاختيار، ويستحق المدح والذم عليه، لأنها كلها تحصل له بطبع المحل أو إيجاب الخلق (٣)، وهو باطل فما يؤدي إليه مثله.٢ - يرى القاضي أيضاً أن موقف من يقول بالطبع والطبيعة أسوأ من موقف الدهرية، فإن هؤلاء نفوا وجود الصانع، فأمكن لهم أن يعلقوا الفعل بالطبع، أما أولئك المعتزلة فقد أثبتوا الله، فكيف يصح لهم أن ينفوا تعلق الأشياء به (٤)؟! ٣ - أن قول النظام ومعمر المتولدات تحصل بإيجاب الخلقة يوجب عليهم أن لا تقع الثقة بالنبوات لتجويزهم حصول المعجزات بطبع المحل (٥). ومعلوم بطلان هذا، فما يؤدي إليه مثله.

وإذاً فقول النظام ومعمر والمتولدات تحصل بطبع المحل باطل، وإذا بطل هذا الجزء، بقي الجزء الأول من قولهم، وهو أن المتولدات من فعل الله، وهو القول بالحق – إن شاء الله – والله أعلم.

القول الثالث:

وهو قول أكثر المعتزلة: وقد قسموا أفعال التولد إلى قسمين:

القسم الأول: ما تولد من غير الحي، كحرق النار، وتبريد الثلج، وقد اختلفوا فيه فقال بعضهم: فعل الله عز وجل، وقال آخرون: فعل الطبيعة، وقال فريق ثالث: أفعال الله لا فاعل لها. القسم الثاني: ما تولد من الإنسان أو الحي: قالوا: هذا من فعل الإنسان، وممن قال بهذا القول بشر بن المعتمر منشئ القول بالتولد (٦).

المناقشة:

ذكرت أن القسم الأول من أفعال التولد وهو ما تولد من غير الحي، ذكرت أنهم اختلفوا فيه، فقال بعضهم: إنه من فعل الله – عز وجل – وهذا القول يوافق القول بحق – إن شاء الله -، وقال البعض الآخر: إنه من فعل الطبيعة، وهؤلاء يتفق قولهم وقول النظام، وقد سبق الرد عليه، وقال الفريق الثالث: إنها أفعال لا فاعل لها، وهذا القول يتفق مع رأي ثمامة، وقد سبق الرد عليه.

إذاً لم يبق إلا القسم الثاني: وهو ما تولد من فعل الإنسان أو الحي، قالوا: إنه من فعل الإنسان أو الحي.


(١) ((أصول الدين)) للبغدادي (ص١٣٩) ط الأولى إستانبول ١٣٤٦هـ.
(٢) انظر ((الملل والنحل)) (١/ ٥٥).
(٣) ((نظرية التكليف)) (ص٤٢٩).
(٤) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٣٨٩)، وانظر ((نظرية التكليف)) (ص٤٣٠).
(٥) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٣٨٩).
(٦) ((الفصل)) لابن حزم (٥/ ٥٩)، و ((أصول الدين)) (ص١٣٧)، و ((المقالات)) (٢/ ٥٧، ٨٦)، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>