للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرد على هذا القسم كالآتي: أولاً: لقد رد على هذا القول ابن حزم – رحمه الله – فقال: إن كل ما في العالم من جسم أو عرض في جسم أو أثر في جسم، فهو فعل الله – عز وجل – بمعنى أنه خلقه؛ وكل ذلك مضاف بنص القرآن، وبحكم اللغة إلى ما ظهر منه من حي أو جماد. قال تعالى: فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج: ٥]. فقد نسب الله عز وجل الاهتزاز والإنبات والربو إلى الأرض؛ مع أنه سبحانه وتعالى هو الفاعل لذلك؛ مما يدل على أن النسبة إليها لكونه ظهر منها ... وقال تعالى: وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ... الآية [النساء: ٩٢]. فسمى تعالى المخطئ قائلاً، وأوجب عليه حكماً، وهو لم يقصد قتله، لكنه تولد عن فعله ... إلى أن قال: ولم تختلف أمة، ولا لغة في صحة قول القائل: مات فلان، وسقط الحائط. فقد نسب الله تعالى وجميع خلقه الموت إلى الميت، والسقوط إلى الحائط. لظهور كل ذلك منها. فصح بكل ما ذكرنا أن إضافة كل أثر في العالم إلى الله تعالى، هي غير إضافته إلى ما ظهر منه أو تولد عنه، فلظهوره منه، اتباعاً للقرآن والسنة، وما يفسرهما من اللغة الفصحى، لأنه لا فرق بين ما ظهر من حي مختار أو غير حي مختار في أن كل ذلك ظاهر مما ظهر منه، وأنه مخلوق لله تعالى، إلا أن الله خلق في الحي اختياراً لما ظهر منه، ولم يخلق الاختيار فيما ليس حياً ولا مريداً. فما تولد عن فعل فاعل، فهو فعل الله – عز وجل – بمعنى أنه خلقه، وهو فعل ما ظهر منه بمعنى أنه ظهر منه، قال تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى .... الآية [الأنفال: ١٧]. وقال تعالى: أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة: ٦٣ - ٦٤]. فقد نسب الله – عز وجل – الرمي إلى نبيه – صلى الله عليه وسلم – ولنفسه؛ مما يدل على أن نسبته للرسول – صلى الله عليه وسلم – لظهوره منه، ونسبته إلى الله لكونه الفاعل (١).

كذلك رد البغدادي على أصحاب التولد، فقال: إن أفعال التولد من فعل الله – عز وجل – ولا يصح أن يكون الإنسان فاعلاً في غير محل قدرته؛ لأنه يجوز أن يمد الإنسان وتر قوسه، ويرسل السهم من يده، فلا يخلق الله تعالى في السهم ذهاباً، ويجوز أن يقع السهم على ما أرسله إليه، ولا يؤثر فيه. ولأن الإنسان ليس مكتسباً لهذا الفعل حتى يضاف إليه، وإنما يصح من الإنسان اكتساب فعله من محل قدرته (٢) ...

وأيضا: فإن قولكم هذا، يؤدي إلى إثبات صانع مع الله، وهو باطل باتفاق منا ومنكم، فما يؤدي إليه مثله. والله أعلم.

المصدر:المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق - ص ١٨٤


(١) ((الفصل)) (٥ ص٥٩، ٦٠)، بتصرف.
(٢) ((أصول الدين)) (ص١٣٨)، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>