للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المناقشة: هذه الشبهة باطلة، ولا تدل على تخليد الفاسق في النار، وبيان ذلك: أن الفاسق في حال العفو عنه يدخل الجنة تفضلاً من الله سبحانه وتعالى، بدليل قوله تعالى: الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [فاطر: ٣٥] ولما روي في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((لن ينجي أحداً منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله برحمته)). (١) ففي هذه الآية والحديث: دلالة على أن الله يدخل من شاء من عباده الجنة بفضله سبحانه وتعالى، وعليه فإنه يبطل قولكم " ... ولا يجوز أن يدخل الجنة متفضلاً عليه ... " (٢).

وإذاً فالفاسق في حالة العفو عنه يدخل الجنة بفضل الله ورحمته.

أما في حال عدم العفو عنه: فإن الله سبحانه وتعالى يعذبه على قدر ذنبه ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار؛ بدليل قوله تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة: ٧]، واحتمال رؤية العامل مثقال ذرة من خير ما عمله قبل دخوله النار، أي: بأن يدخل الجنة جزاء لما عمله من الخير ثم يخرج منها ويدخل النار عقاباً لما عمله من الشر يبطله قوله تعالى في شأن أهل الجنة: لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر: ٤٨]. فلم يبق لرؤيته موضع إلا بعد الخروج من النار. ومما يدل على أن استيفاء الأجر بالنسبة لمن يدخل النار لا يكون إلا بعد الخروج منها ما في البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل وإيمان ... الحديث)) (٣). ففي هذا الحديث دلالة على أن من عمل خيراً يخرجه الله بعد دخوله النار، لأجل ما عمله من خير، والعاصي معه إيمان وخير كثير بدليل قوله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ... الآية [الحجرات: ٩]. فقد سمى الله الطائفتين المتقاتلتين مؤمنتين؛ مما يدل على أن كبيرة القتل لم تخرجهما من الإيمان. فعلى هذا: فإن الله يعذب العاصي في النار لأجل معصيته، ثم يخرجه إلى الجنة لأجل ما عمله من خير، وأهل الجنة لا يخرجون منها بدلالة الآية: ... وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر: ٤٨] (٤). وعليه: فإنه يبطل قولكم "إن الفاسق في حال عدم العفو عنه يخلد في النار" (٥).

وعليه فتبطل هذه الشبهة.

المصدر:المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق - ص ٢١٩


(١) رواه البخاري (٦٤٦٣) , ومسلم (٢٨١٦).
(٢) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٦٦٦).
(٣) رواه البخاري (٢٢) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٤) انظر ((الحصن والجنة في عقيدة أهل السنة)) (ص٩٩ - ١٠٠).
(٥) انظر ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٦٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>