للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- التصرف في معاني النصوص بالوجوه الإعرابية، والقراءات الشاذة: فمثال الأول: ما ورد في قوله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الكهف: ٢٨]؛ فإن الجمهور على إسناد الفعل لـ "أنا" وهو ضمير العظمة العائد إليه سبحانه، و "قلبه" بالفتح مفعول به كما عليه القراءة المتواترة، على معنى: جعلناه غافلاً، فالإغفال فعل الله في العبد بمشيئته وإرادته (١).وخالفتهم المعتزلة، فزعموا أن المعنى: وجدناه، أو صادفناه كذلك، أو نسبناه إلى الغفلة، أو سميناه غافلاً، لا أن الله فعل به ذلك، واستندوا إلى قراءة شاذة لعمرو بن عبيد، وعمرو بن فائد، وموسى بن سيار الأسواريان في الآية، بفتح اللام في أَغْفَلْنَا، ورفع الباء في قَلْبَهُ على أنه فاعل، بمعنى من نسينا قلبه؛ فأصبح غافلاً عنا، قالوا: هو المتعين؛ لأن الله عادل ولا يفعل القبيح، فهو منزه عنه (٢).قال الزمخشري وهو ينصر هذا التفسير بعد أن ذكره: "وقد أبطل الله توهم المجبرة بقوله: وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وقرئ: أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ بإسناد الفعل للقلب، على معنى: حسبنا قلبه غافلاً، من أغفلته: إذا وجدته غافلاً" (٣).ومثال الثاني: قراءة عمرو بن عبيد وعمرو بن فائد وبعض المعتزلة لقوله تعالى: مِن شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق: ٢] بالتنوين والنفي (٤)، مخالفين قراءة الجماهير بالإضافة، واعتبار مَا موصلية. قال ابن عطية: "وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، الله خالق كل شيء" (٥).وكذلك تأييد ابن جني لقراءة منسوبة لإبراهيم النخعي في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: ١٦٤] بنصب "الله"، فقال: "يشهد لهذه القراءة قوله عز وجل حكاية عن موسى: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف: ١٤٣]، وغيره من الآي التي فيها كلامه لله تعالى" (٦).والحامل لهم على هذا الإعراب، ومخالفة القراءات المتواترة، هو ما تدل عليه آية "سورة الكهف" من خلق الله أفعال العباد، وآية "سورة الناس" من خلق الله للشر، وهم لا يقولون بذلك، وما تدل عليه آية "سورة النساء" من إثبات صفة الكلام لله سبحانه، فاضطروا إلى الإعراب الشاذ في الموضع الأول، وإلى القراءة الشاذة في الموضعين الثاني والثالث (٧).


(١) انظر: ((الغريبين)) (٤/ ١٣٨٠)، و ((شفاء العليل)) (ص: ١٣٩، ١٨١، ٢٠٨) ط دار التراث.
(٢) انظر: ((المحتسب)) (٢/ ٢٨)، و ((اختصاص)) (٣/ ٢٥٣ - ٢٥٥)، و ((تلخيص البيان في مجازات القرآن)) (ص: ١٤٤ - ١٤٥)، و ((الكشاف)) (٢/ ٣٨٨) ط دار المعرفة، و ((شفاء العليل)) (ص: ١٣٩) ط دار التراث.
(٣) ((الكشاف)) (٢/ ٣٨٨) ط دار المعرفة.
(٤) انظر: ((إعراب القراءات الشواذ)) (٢/ ١٦٠)، و ((البحر المحيط)) (٨/ ٥٣٠)، و ((مشكل إعراب القرآن)) (٢/ ٨٥٥).
(٥) ((المحرر الوجيز)) (١٥/ ٣٨٥).
(٦) ((المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها)) (١/ ٢٠٤).
(٧) انظر: ((الدر المصون)) (٧/ ٤٧٥ - ٤٧٦)، و ((اللباب في علوم الكتاب)) (١٢/ ٤٧١)، و ((الانتصاف من الكشاف)) (٢/ ٣٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>