للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال ما تعدد مدلوله معنى: اليد، فإنها تأتي لليد الحقيقية، وبمعنى النعمة والعطية، ولكن السياق هو الذي يحدد المراد، لكن المعتزلة حملوها دائماً في صفات الله على المعنى الثاني. قال الأخفش: "وقال: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة: ٦٤]، فذكروا أنها العطية والنعمة، وكذلك: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: ٦٤] كما تقول: إن لفلان عندي يداً، أي نعمة، وقال: أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ [ص: ٤٥] أي أولي النعم، وقد تكون اليد في وجوه: تقول: بين يدي الدار؛ يعني قدامها، وليست للدار يدان" (١).ومن هذا الباب ما حكي عن بعض المعتزلة في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: ١٦٤] أنه من الكلم؛ أي: الجرح، قالوا: ويكون المعنى: "وجرح الله موسى بأظافر المحن ومخالب الفتن" (٢). والذي ألجأهم إلى حمل "كلم" بالتشديد على "كلم" المخففة الدالة على الجرح هو فرارهم من إثبات صفة الكلام لله، فوقعوا في التحريف. ومثال ما تعدد مدلوله باختلاف الرسم والضبط: لفظ الصور، فإنه جاء في القرآن مقصوداً به الذي ينفخ في القيامة، لكن المعتزلة لما كانوا لا يقرون بالسمعيات حملوا الصور على الصور فقالوا: الصور جمع صورة، بمعنى نفخ الله في صور الأرواح (٣).وعلى هذا الوجه جرى تفسيرهم لقوله تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه: ١٢١] بأنه بشم من أكل الشجرة، من قول العرب: غوى الفصيل: إذا أكثر من اللبن حتى يبشم، بناء على مفهوم العصمة عندهم، حيث يرون عصمة الأنبياء من الكبائر والصغائر، وأنه لا يجوز عليهم الخطأ مطلقاً (٤).


(١) ((معاني القرآن)) (١/ ٢٦١) بتحقيق د. فائز فارس.
(٢) انظر: ((الكشاف)) (١/ ٣١٤) وردها، و ((مفاتيح الغيب)) (١١/ ٨٧)، و ((اللباب في علوم الكتاب)) (٧/ ١٣٦).
(٣) انظر: ((الإغفال)) لأبي علي الفارسي (٢/ ٤٧٠ - ٤٧٥)، و ((المحيط في اللغة)) (٨/ ١٨٠)، و ((المحتسب)) (٢/ ٥٩).
(٤) ((تأويل مشكل القرآن)) (ص: ٤٠٢)، وانظر رد ابن قتيبة عليهم بعد ذلك في (ص: ٤٠٣) من الكتاب نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>