للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحملوا معاني "هدى" و"ختم"، و"طبع"، و"غشى" وأمثالها على الحكم بذلك، أو الوسم به، أو أنه تجوز وتمثيل، لا إحداث معانيها في العباد (١).وذهب الأخفش وأبو علي الفارسي إلى أن صيغة "فاعل" قد تكون من جهة واحدة، كما في قوله: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: ١٤٢]، وأمثالها حرصاً منهما على نفي ما تدل عليه الآية من المفاعلة التي تقتضي وقوع المخادعة من الله على سبيل المقابلة (٢).

- التصرف في دلالات الحروف والأدوات وتوجيهها حسب المذهب: وهذا باب واسع جداً، ومنتشر لدى المعتزلة، وقد ألف الرماني كتاباً سماه كتاب (معاني الحروف) (٣) ذكر فيه الحروف والأدوات والمعاني التي تأتي لكل حرف وأداة من أجل هذا الهدف، وطبقه في تفسيره (الجامع لعلوم القرآن) (٤)، واقتفاه الزمخشري فأخذ من ذلك قسطاً كبيراً في (الكشاف) (٥).ومثال هذا التصرف في الحروف الاختلاف في لام لِيَكُونَ من قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص: ٨]، فقد حملها الأخفش وقطرب وغيرهما من المعتزلة على لام العاقبة والصيرورة، وذهب الفراء أنها لام كي لكنها وقعت مكان لام التمليك (٦).

وسبب صنيع الأخفش وقطرب هو ما يتضمنه القول بلام التعليل في الآية من إثبات القدر، وسبق علم الله بالتقاط آل فرعون لموسى من البحر؛ ليكون لهم عدواً وحزناً.

قال نفطويه وهو يرد عليهما: "أما الأخفش وقطرب فإنهما رققا عن صبوح، وإنما أرادا أن ينصروا قول من يزعم أن الله لم يخلق المعاصي ولا أرادها، وأما الفراء فإنه ذكر الإعراب ونزل المعنى، واللام على الحقيقة لام "كي" لأن المعنى: أن الله تعالى علم أنه إذا أتاهم الأموال ضلوا، وعلم أن آل فرعون إذا التقطوا موسى كان لهم عدواً وحزناً، فأمكنهم الله من لقطه؛ ليمضي فيهم ما تقدم من علمه، فالمعنى: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا في علم الله تعالى لا في علمهم؛ لأن الله علم ما يكون من أمره، وكذلك قول الشاعر:

....................................... ... فللموت ما تلد الوالدة


(١) انظر: ((الحجة)) للقراء السبعة (٣/ ٣٠٢ - ٣٠٤)، و ((تلخيص البيان في مجازات القرآن)) (ص: ١١ - ١٢) و ((الكشاف)) (١/ ٢٦ - ٢٧) ط دار المعرفة.
(٢) انظر: ((معاني القرآن)) (١/ ٣٨ - ٣٩)، و ((الحجة للقراء السبعة)) (١/ ٣١٢ - ٣١٧).
(٣) حققه الدكتور عبدالفتاح شلبي، ونشرته دار الشروق عام ١٤٠٤هـ طبعة ثالثة.
(٤) يوجد قطعة منه في تفسير سورة آل عمران ضمن مصورات معهد المخطوطات العربية بالقاهرة تحت عنوان "تفسير غير مفهرس- م ٣٦١ - (رقم ٩٢)، مكتبة طشقند ٣١٣٧، وقطعة أخرى بمكتبة المسجد الأقصى برقم "١٢"، وعنه مصورة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة (برقم "١٦).
(٥) انظر: ((الأدوات النحوية في كتب التفسير)) (ص: ٧٣٣ - ٧٣٨).
(٦) انظر: ((الغريبين غريبي القرآن والحديث)) (٤/ ١١٣٨ - ١١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>