للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي العدل: ويؤولون قوله تعالى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ [الفرقان: ٣١] فسره الجبائي المعتزلي بأن الله سبحانه بين لكل نبي عدوه حتى يأخذ حذره منه (١). وإنما اضطرهم إلى هذا التأويل حتى يتفق مع قولهم بوجوب الصلاح والأصلح. ولكنهم يتوقفون في بعض أفعال الله فلا يدركون المصلحة في فعلها فإذا قلت في قوله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن: ٢] إذا قلت أن العباد هم الفاعلون للكفر ولكن قد سبق في علم الحكيم أنه إذا خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر ولم يختاروا غيره فما المصلحة في خلقهم؟ مع علمه بما يكون منهم؟ أجاب الزمخشري بأن له وجه حسن "وخفاء وجه الحسن علينا لا يقدح في حسنه كما لا يقدح في حسن أكثر مخلوقاته بجهلنا بداعي الحكمة إلى خلقها" (٢).وأن احتججت عليهم في إبطال قولهم بأن الحسن والقبح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح بقوله تعالى رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: ١٦٥] فكيف يكون لهم حجة قبل الرسل والله قد أعطاهم عقلا يدركون به الحسن والقبيح قبل الرسل كما تقولون؟ قالوا: أن الرسل منبهون عن الغفلة وباعثون على النظر فكان إرسالهم إزاحة للعلة وتتميما لإزالة الحجة لئلا يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة وينبهنا لما وجب الانتباه له" (٣).ويؤولون قوله تعالى وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى [الأنفال: ١٧] بأنه صلى الله عليه وسلم كان يرمي يوم بدر والله تعالى برميته المقاتل فالملك أضافه تعالى إلى نفسه كما أضاف الرمية أولا إليه بقوله إذ رميت (٤).ويؤولون قوله تعالى: قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: ٦٥ - ٩٦] بأن المراد والله خلقكم وما تعملون من الأصنام (٥).

وفي الوعد والوعيد: قالوا أنه لا يجب حمد الله على إدخاله المحسنين للجنة لأنه إنما أعطاهم حقا من حقوقهم ووعدهم وعدا وجب عليه أن ينفذه وأولوا قوله تعالى وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [سبأ: ١] بأن الحمد في الآخرة ليس بواجب لأنه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقها إنما هو تتمة سرور المؤمنين وتكملة اغتباطهم يلتذون به كما يلتذ العاطش بالماء البارد (٦).


(١) ((تفسير الرازي)) (٢٤/ ٧٧).
(٢) ((تفسير الكشاف)) للزمخشري (٤/ ١١٣).
(٣) ((تفسير الكشاف)) للزمخشري (١/ ٥٨٣).
(٤) ((تنزيه القرآن عن المطاعن)): للقاضي عبدالجبار (ص١٥٩).
(٥) ((تنزيه القرآن عن المطاعن)) القاضي عبدالجبار (٣٥٤).
(٦) ((تفسير الكشاف)) للزمخشري (٣/ ٢٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>