للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي المنزلة بين المنزلتين: قالوا بمنزلة الفسق وهي منزلة بين منزلة الإيمان ومنزلة الكفر ويؤولون من الآيات ما يقسم الناس إلى مؤمن وكافر ولا يذكر النوع الثالث الذي ذكروا فمن ذلك قوله تعالى إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: ٣] فيقولون أن الشاكر قد يكون شاكراً وأن لم يكن مؤمنا برا تقيا وأضعف من هذا تأويل الزمخشري لقوله تعالى إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الإسراء: ٩ - ١٠] بقوله "فإن قلت: كيف ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة؟ قلت: كان الناس حينئذ أما مؤمن تقي وإما مشرك وإنما حدث أصحاب المنزلة بين المنزلتين بعد ذلك" (١).

وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والمسلمون جميعاً متفقون على هذا الأصل ولكنهم مختلفون في مداه ولم يكن للمعتزلة – فيما اطلعت عليه من تفاسيرهم في هذا الباب – ما أولوه تأويلا خارجا عن أقوال السلف أما مبالغتهم في مداه فلم تكن معتمدة على التأويل بل على منهجهم العقلي.

كانت هذه نماذج لبعض تأويلاتهم لآيات القرآن حسب أصولهم ويحسن بنا هنا أن نذكر أهم مميزات منهجهم الذي سلكوه في هذه التأويلات وغيرها:-أ- كان من أصول منهجهم في التفسير تحكيم العقل في الأمور الغيبية تحكيمها مطلقا فأنكروا حقائق كثيرة أثبتها أهل السنة استنادا إلى النصوص فأنكرها المعتزلة استنادا إلى العقل المجرد منها فمن ذلك تمرد بعض أعلام المعتزلة كالنظام على الاعتقاد بوجود الجن (٢) وثار الزمخشري ضد من يقول بأن للجن قوة تأثير في الإنسان مع اعترافه بوجودها وأنكروا أيضا أن للسحر حقيقة وأنه لا تأثير له اللهم إلا إذا كان ثّم إطعام شيء ضار أو سقيه أو إشمامه أو مباشرة المسحور به على بعض الوجوه ولكن قد يفعل الله عند ذلك على سبيل الامتحان فينسبه الحشو والرعاع إليهن وإلى نفثهن والثابتون بالقول الثابت لا يلتفتون إلى ذلك ولا يعبثون به (٣).


(١) ((تفسير الكشاف)) للزمخشري (٢/ ٤٣٩ - ٤٤٠).
(٢) ((الملل والنحل)): الشهرستاني (١/ ٥٨).
(٣) ((تفسير الكشاف)): للزمخشري (٤/ ٣٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>