للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- موقفهم من الإسرائيليات: أما موقفهم من الإسرائيليات فغير منضبط فبينما كان النظام أحد زعماء المعتزلة يقول:- "لا تسترسلوا إلى كثير من المفسرين وإن نصبوا أنفسهم للعامة وأجابوا في كل مسألة فإن كثيرا منهم يقول بغير رواية على غير أساس وكلما كان المفسر أغرب عندهم كان أحب إليهم وليكن عندكم عكرمة والكلبي والسدي والضحاك ومقاتل بن سليمان وأبو بكر الأصم في سبيل واحدة فكيف أثق بتفسيرهم وأسكن إلى صوابهم" (١) بينما كان النظام وغيره يقولون هذا القول ونحوه نرى الزمخشري المعتزلي لا يرى بأسا بإيراد أسطورة أو خرافة إسرائيلية أو قصة غير مستيقنة ما دامت لا تطعن نبيا ولا تخالف رأيا اعتزاليا وبذلك خالف منهجه العقلي (٢) بل ويروي من القصص ما يظهر بطلانه فهو يروى مثلا قصة أحد الأسباط الذين سألوا الله أن يفرق بينهم وبين إخوانهم ففتح الله لهم نفقا في الأرض فساروا فيه سنة ونصفاً حتى خرجوا من وراء الصين وهم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا وأن نبينا صلى الله عليه وسلم قد زارهم ليلة أسري به وعرفهم جبريل به فآمنوا وعلمهم بعض آيات القرآن وبعض أمور الإسلام الأخرى (٣) ولا يعقب على هذه القصة بما يضعفها مع وضوح بطلانها حتى قال الآلوسي "ولا أظنك تجد لها سندا يعول عليه ولو ابتغيت نفقا في الأرض أو سلما في السماء" (٤).

ج- التفسير بالمأثور:

وكان موقفهم من التفسير بالمأثور موقفا عجيبا!! فهم يشككون في الأحاديث التي تصطدم بمبادئهم ويكذبونها. وإن علت درجتها في الصحة أو يؤولونها تأويلا باطلا. بل ويتجاوزون هذا إلى تجريح راويها لا أعني التابعي أو تابعي التابعي بل الصحابي الذي رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلون هذا إذا ما كان مصادما لمبدأ من مبادئهم بينما يستشهدون بالأحاديث الضعيفة بل الموضوعة ويعضون عليها بالنواجذ لنصرة مذهبهم الاعتزالي.

ولا أدري أين هذا العقل الذي اتخذوه قائدا – كما يقولون – ألا يستطيعون به أن يدركوا ضعف هذا الحديث حينما يجدون فيه من ركاكة الأسلوب وضعف المعنى ما يبعده عن البلاغة النبوية وأن يدركوا به صحة هذا الحديث لما يوجد به من قبس من نور النبوة وحكما من ينابيع الوحي مما يجعل القلب السليم يطمئن إليه. بله الاستناد إلى أقوال أئمة المحدثين في سنده ومتنه تصحيحا وتضعيفا.

بل إن طريقتهم هذه تدل وأكاد أن أقول – يقينا – على أن مقياس أخذهم الحديث ورده لم يكن سائرا على منهجهم – الذي يزعمون – بل كان منهجه منهج الهوى.

ولست أقول هذا اعتباطا وعصبية وإنما أقوله استنادا إلى كثرة ما رأيته من ردهم لأحاديث صحيحة متفق على صحتها وتمسكهم بأحاديث لا أقول ضعيفة بل جزم أئمة الحديث بوضع كثيرها.

أفلم يكن في منهجهم بصيص من نور يجلو لهم تلك الحقائق في الظلمات التي انقادوا إليها ...


(١) ((الحيوان)): الجاحظ (١/ ٣٤٣) ت عبدالسلام هارون.
(٢) ((الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير)): رمزي نعناعة (ص ٢٨٨).
(٣) ((تفسير الكشاف)): الزمخشري (٢/ ١٢٣ - ١٢٤).
(٤) ((روح المعاني))؛ للآلوسي (٩/ ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>