للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل في ذكر قوله بعد ذكر قوة هذه الأحاديث غني عن التعليق. ومنها حديث ((ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها)) وقد رواه البخاري (١) ومسلم (٢) , وأحمد (٣) , رضي الله عنهم ومع هذا يقول الزمخشري عنه "وما يروى من الحديث ما مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها فالله أعلم بصحته فإن صح فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين وكذلك من كان في صفتهما .. واستهلاله صارخا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه .. وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا" (٤) فشكك في صحة الحديث أولا ثم أوله تأويلا باطلا وحمله على أنه تخييل وتصوير. وعمم الاستثناء على المعصومين مع قصره في الحديث على مريم وابنها عليهما السلام. وتجاوزوا هذا إلى تكذيب الصحابة وتجريحهم بل تجاوزوه إلى سبهم – رضي الله عنهم – إذا كان ما رووه يخالف أصولهم فقال النظام المعتزلي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه "وزعم أن القمر انشق وأنه رآه وهذا من الكذب الذي لا خفاء به" (٥) وقال عن سمرة بن جندب رضي الله عنه "ما نصنع بسمرة قبح الله سمرة" (٦) وكذب الزمخشري ابن مسعود رضي الله عنه لقوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن خط حوله فكان يجيء أحدهم مثل سواد النخل وقال لي لا تبرح مكانك فأقرأهم كتاب الله عز وجل فلما رأى الزط قال كأنهم هؤلاء فقال الزمخشري "وإن زعم من يدعي رؤيتهم زور ومخرقة" (٧).واستهزأ بعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وسخر منه لروايته لحديث "ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقاباً" (٨) فقال "ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث" (٩).ويتمسك المعتزلة بأحاديث ضعيفة أو موضوعة لبيان أصل من أصولهم فيستشهدون مثلا بما وري عن علي رضي الله عنه "أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن شنئ الفاسقين وغضب لله غضب الله له" (١٠) قال ابن حجر العسقلاني "وهو من طريق إسحاق بن بشر عن مقاتل وهما ساقطان" (١١) وقال الذهبي في المغني في الضعفاء "إسحاق بن بشر مجمع على تركه" (١٢) وقال في الميزان "تركوه وكذبه علي بن المديني وقال الدارقطني كذاب متروك" (١٣) أما مقاتل فقال وكيع كان كذابا وقال النسائي كان مقاتل يكذب وقال الجوزجاني كان دجالا جسورا (١٤) وقال في الميزان "ومقاتل أيضا تالف" (١٥).

وبعد: لعل في هذه الإشارة بيان لما كان عليه منهج المعتزلة العقلي وما أدى بهم إليه هذا المنهج من أمور مخالفة لأراء أهل السنة.

المصدر:منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير لفهد الرومي - ص ٥٥


(١) ((صحيح البخاري)) (٣٤٣١) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) ((صحيح مسلم)) (٢٣٦٦) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) ((مسند أحمد)) (٢/ ٢٣٣) (٧١٨٢) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) ((تفسير الكشاف)): للزمخشري (١/ ٤٢٦).
(٥) ((تأويل مختلف الحديث)) ابن قتيبة تحقيق محمد زهري النجار (ص ٢١).
(٦) ((تاريخ بغداد)): الخطيب البغدادي (١٢/ ١٧٦).
(٧) ((تفسير الكشاف)) للزمخشري (٢/ ٧٥).
(٨) قال في ((الكافي الشاف)) (٢/ ٤٣١) ضمن ((تفسير الكشاف)) عند تخريجه لهذا الحديث "اخرجه البزار ... ورجاله ثقات .. ".
(٩) ((تفسير الكشاف)) للزمخشري (٢/ ٢٩٤).
(١٠) ((تفسير الكشاف)) للزمخشري (١/ ٤٥٢).
(١١) ((الكافي الشاف)) في ((تخريج أحاديث الكشاف)) للحافظ ابن حجر العسقلاني ضمن ((تفسير الكشاف)) (١/ ٣٩٧).
(١٢) ((المغني في الضعفاء)) للإمام الذهبي ت نور الدين عتر (١/ ٦٩).
(١٣) ((ميزان الاعتدال في نقد الرجال)) للإمام الذهبي ت علي محمد البجاوي (١/ ١٨٤).
(١٤) ((ميزان الاعتدال في نقد الرجال)) للإمام الذهبي ت علي محمد البجاوي (٤/ ١٧٣ - ١٧٤).
(١٥) ((ميزان الاعتدال في نقد الرجال)) للإمام الذهبي ت علي محمد البجاوي (١/ ١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>