للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثبت لنا أن المعتزلة يعتبرون العمل شرط صحة لثبوت الإيمان إلا أن الكثيرين من أعلامهم اشتهروا بالتهاون في أداء الفروض وقلة التدين وعدم التورع عن ارتكاب بعض المحرمات ويتضح لنا ذلك عند النظام وثمامة بن أشرس وغيرهما. كما أن زعمائهم لا يترددون عن الكذب في الحديث: جاء في مقدمة (صحيح مسلم) (كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث (١)). ومن أمثلة أكاذيبه ما نسبه للحسن البصري حول السكران بالنبيذ من أنه لا يجلد، وسئل أيوب السختياني عن صحة ذلك فقال: (كذب، أنا سمعت الحسن يقول: يجلد السكران من النبيذ) (٢).ومن أمثلة أكاذيبه أيضا ما نسبه للحسن كذلك من روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)) (٣). وقد كذبه أيوب. ولا ريب أن هذا الحديث ظاهر الوضع. وكثيرة هي المسائل التي ينسب أحكامها إلى الحسن، وهي على الحقيقة من رأيه هو (٤).ولتأييد مذهبه الاعتزالي فإن عمرو بن عبيد كثيرا ما يورد الحديث دون بيان تأويله، من ذلك ما رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) (٥) , وقد سئل عن ذلك عوف بن أبي جميلة فقال: (كذب والله عمرو ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث). بمعنى أن عمرا أورد هذا الحديث لتأييد ما يذهب إليه المعتزلة من تفسيق مرتكب الكبيرة وتخليده في النار ولما كان مستل السيف على أخيه المسلم مرتكباً لكبيرة فهو ليس من أمة الإسلام وبالتالي فهو مخلد في النار (٦). ولهذا نجد العلماء يضعفون عمرا ويردون أحاديثه من ذلك أن الفلاس قال: (عمرو متروك صاحب بدعة) (٧). بل فإن الناس كانوا يتحاشون حتى مجالسته لإغراقه في الابتداع رغم ما يشاع عنه من ورع!! وإذا جوز النظام الكذب على المكره حيث قال: (إذا لم يعرف التعريض والتورية فيما أكره عليه فله أن يكذب ويكون وزره موضوعا عنه) (٨) فإن أكثر المعتزلة بما فيهم النظام لا يتورعون عن الكذب لا للإكراه ولكن لتأييد ما يذهبون إليه من آراء متعسفة كما رأينا بالنسبة لعمرو بن عبيد، وكما يروى عن القاضي عبد الجبار الذي يروي عن ابن عباس قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((خمس لا يعذر بجهلهن أحد:

١ - معرفة الله تعالى، أن يعرفه ولا يشبه به شيئا.

٢ - والحب في الله.

٣ - والبغض في الله.

٤ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ٥ - اجتناب الظلمة)) (٩).وهذا الحديث ينكره الرواة، وإنما تمسك به المعتزلة ليثبتوا به وجوب معرفة الله بالدليل (١٠).

فالحديث الشريف لم يسلم من المعتزلة حيث جرّحوا رواته من الصحابة، وأنكروا المتواتر منه وردوا الآحاد وأنكروا وشكوا في الكثير من الأحاديث وأخيرا كذبوا في الحديث لتقوية بدعتهم، فهم وإن لم يكترثوا بالحديث إلا أنهم يلجأون إليه، وإن اضطرهم ذلك إلى الوضع حين يرومون تأييد مذهبهم.

موقفهم من الإجماع والقياس:


(١) ((مقدمة صحيح مسلم)) (١/ ٢٢).
(٢) ((مقدمة صحيح مسلم)) (١/ ٢٣).
(٣) رواه ابن عدي في ((الكامل)) (٦/ ٣٤٣) وقال: -فيه- علي بن زيد بن جدعان كان يغالي في التشيع ومع ضعفه يكتب حديثه. وقال أيوب السختياني في ((تهذيب التهذيب)) (٨/ ٧٤): كذب. وقال العقيلي في ((تهذيب التهذيب)) (٢/ ٤٢٨): منكر. وقال ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (٢/ ٢٦٥): والألباني في ((دفاع عن الحديث)) (١١٢): موضوع.
(٤) ((ميزان الاعتدال)) (٣/ ٢٧٣).
(٥) رواه البخاري (٧٠٧٠) , ومسلم (٩٨) , من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(٦) ((صحيح مسلم)) (١/ ٢٢) – انظر الحاشية رقم ٣ و ٤.
(٧) ((ميزان الاعتدال)) (٣/ ٢٧٥).
(٨) ((ملل الشهرستاني)) (١/ ٥١).
(٩) ((فضل الاعتزال)) (١٥٠).
(١٠) ((فضل الاعتزال)) (هامش رقم ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>