للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعتبر الإجماع والقياس من المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي بعد القرآن ذلك أن شريعة السماء إنما تستمد شرعيتها وأحكامها من الله تعالى، إما بطريق مباشرة وهي القرآن أو غير مباشرة وهي سنة الرسول المقبولة: صحيحة وحسنة، ثم الإجماع والقياس اللذان يستندان إلى روح القرآن والسنة. وقد عرف العلماء القياس بأنه (إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر آخر منصوص على حكمه لاشتراكهما في علة الحكم (١) أو هو الحكم للنظير بحكم نظيره إذا كان في معناه والحكم للفرع بحكم أصله إذا قامت فيه العلة التي من أجلها وقع الحكم) (٢).والقياس مأخوذ من أكثر من آية في القرآن الكريم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: ٨٣] الاستنباط هو الاستخراج وهو بالقياس لأن النصر ظاهر (٣)، وكذلك مأخوذ من قياس الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حكم، وقد عقد الإمام البخاري في جامعه الصحيح بابا ترجم له بقوله: (باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين)، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما ليفهم السائل (٤) أورد فيه عددا من الأحاديث التي تثبت قياس الرسول صلى الله عليه وسلم الصريح. أما الإجماع: فهو إجماع علماء الأمة الإسلامية على أمرها فيصبح بذلك حكما شرعيا والإجماع مأخوذ من قول الله تعالى: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:١١٥] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) (٥).والعمل بالقياس معلوم عند علماء الأمة وقد ساروا عليه قديما وحديثا حتى حدث أن إبراهيم النظام، وقوم من المعتزلة سلكوا طريقه في نفي القياس (٦). . . وخالفوا ما مضى عليه السلف. . . واتبعهم من أهل السنة على نفي القياس في الأحكام داود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري (ت ٢٧٠هـ).أما النظام فقد رد حجية الإجماع والقياس معا ذلك أن الحجة عنده إنما تنحصر في قول الإمام المعصوم تأسياً بما يذهب إليه بعض الشيعة الذين جعلوا الدين طاعة رجل واحد وهو إمامهم (٧).وقد تصدى جمع من المعتزلة أنفسهم للرد على النظام من أمثال بشر بن المعتمر شيخ البغداديين ورئيسهم، وأبي الهذيل العلاف وهما من رؤساء المعتزلة وأهل الكلام وكان أشد الناس نصرة للقياس واجتهاد الرأي في الأحكام، وقد قمعا أبا الهذيل وأصحابه (٨).كما خلفه بشر بن غياث المريسي (ت ٢١٨هـ) وهو فقيه معتزلي عارف بالفلسفة يرمى بالزندقة (٩)


(١) ((تاريخ المذاهب الإسلامية)) (٢/ ١٥٤).
(٢) ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ٩٢).
(٣) ((فتح الباري)) (١٧/ ٦٢).
(٤) ((فتح الباري)) (١٧/ ٥٩).
(٥) رواه أحمد (٦/ ٣٩٦) , (٢٧٢٦٧) , والطبراني في ((الكبير)) (٢/ ٢٨٠) (٢١٧١) , من حديث أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه, بلفظ: ( .. سألت الله عز وجل ان لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها ... ) قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ٢٢٤): فيه راو لم يسم. وقال ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (١/ ١٠٦): رجاله رجال الصحيح إلا التابعي المبهم, وله شاهد مرسل رجاله رجال الصحيح. ورواه الحاكم (١/ ٢٠٠) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه, بلفظ: (لن يجمع الله أمتي على ضلالة أبدا ... ) , قال ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (١/ ١٠٥): مشهور المتن, وشواهده صحيحة. وصححه الزرقاني في ((مختصر المقاصد)) (١١٧٩). وقال العجلوني في ((كشف الخفاء)) (٢/ ٤٧٠): مشهور المتن وله أسانيد كثيرة, وشواهد عديدة.
(٦) ((الفرق بين الفرق)) (١٣٢) - ((السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)) (٢٠٦).
(٧) ((ملل الشهرستاني)) (١/ ١٤٧، ١٥٤، ١٨٠).
(٨) ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ٧٧) ونحوه في ((فتح الباري)) (١٧/ ٥٩).
(٩) ((الأعلام للزركلي)) (٢/ ٢٨) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>