للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول بخلق القرآن، أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف وكان من المغرقين في القياس الناصرين له الدائنين به (١) وإن كان لا يرى الإجماع كما سنرى بعد حين. وإذا انقسم المعتزلة حول القياس فإن موقفهم من الإجماع يكاد يكون متحدا حول رد الإجماع، نعم، نجد القاضي عبد الجبار يقر حجة الإجماع مستشهدا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على خطأ وعليكم بالجماعة)) (٢)، ولئن شرح المراد بالجماعة وهو ما أجمعت عليه الأمة وثبت ذلك من إجماعها، فإنه يجعل هذا الإجماع لا يرتبط بالعدد بقدر ما يرتبط بطاعة الله والتزام السمت السمي، فهو عنده ينطبق حتى على الفرد الواحد، مستشهدا على رأيه هذا بما ينسبه لابن مسعود: (الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كان رجلا واحدا) (٣).وعلى هذا الأساس يصف من يخالف المعتزلة من المشنعين عليهم بأنهم (عند التحقيق لا يميزون ما يقولون) (٤) ويصف أصحابه بأنهم هم المتمسكون بالسنة والجماعة دون هؤلاء المشنعين عليهم (٥).

وفي الحقيقة فإن الواحد لا يمكن أن يكون إجماعا، وإلا فإن المفاهيم تصبح مقلوبة منكوسة ولعل في اعتراف القاضي عبد الجبار (ت ٤١٥هـ) بالإجماع وهو من رجال القرن الرابع وأوائل الخامس، وقد شهد ما لحق المعتزلة من النكبات نتيجة غلوهم ومخالفتهم الصريحة للكثير مما يدين به المسلمون ومما هو وارد في الكتاب والسنة، لعل في اعترافه بحجية الإجماع تخفيفا عن المعتزلة بعض أوزارهم، إلا أن التوفيق جانبه لما عرف ذلك التعريف المتجافي حتى مع المعنى اللغوي للإجماع فضلا عن معناه الاصطلاحي. أما النظام فإنه أبطل صراحة حجية الإجماع وذهب إلى تجويز إجماع الأمة في جميع الأعصار على الخطأ من جهة الرأي والاستدلال (٦) ويستدل على رأيه هذا بأن الأمة الإسلامية أجمعت (على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة دون جميع الأنبياء، وليس كذلك، وكل نبي في الأرض بعثه الله تعالى إلى جميع الخلق بعثه لأن آيات الأنبياء – لشهرتها – تبلغ آفاق الأرض، وعلى كل من بلغه ذلك أن يصدقه ويتبعه) (٧).وهذه الحجة تتنافى وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((بعثت إلى الناس كافة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة)) وقد رواه البخاري في كتابي التيمم والصلاة (٨) والنسائي في كتاب الغسل (٩) والدارمي في كتاب الصلاة (١٠).


(١) ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ٧٨).
(٢) ((فضل الاعتزال)) (١٣٨).
(٣) ((فضل الاعتزال)) (١٨٦).
(٤) ((فضل الاعتزال)) (١٨٦).
(٥) ((فضل الاعتزال)) (١٨٦).
(٦) ((الفرق بين الفرق)) (١٤٣ – ٣١٩ - ٣٢٨) - ((تأويل مختلف الحديث)) (١٨) - ((السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)) (٢٠٣).
(٧) ((تأويل مختلف الحديث)) (١٨).
(٨) ((صحيح البخاري)) (٤٣٨) ,.
(٩) ((النسائي)) (١/ ٢٠٩) (٤٣٢).
(١٠) ((الدارمي)) (١/ ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>