للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد خالف النظام إجماع الأمة على وجوب الوضوء من النوم، وابتدع القول بأن النوم لا ينقض الوضوء وعلل مخالفته هذه بقوله: (وإنما أجمع الناس على الوضوء من نوم الضجعة لأنهم كانوا يرون أوائلهم إذا قاموا بالغداة من نوم الليل تطهروا، لأن عادات الناس الغائط والبول من الصبح، ولأن الرجل يستيقظ وبعينه رمص وبفيه خلوف، وهو متهيج الوجه، فيتطهر للحدث والنشرة (١) لا للنوم (٢).والنوم خلافا لما يذهب إليه النظام ينقض الوضوء سيما إذا لم يكن نعسة أو خفقة خفيفة، وقد عقد البخاري في جامعه بابا ترجم له بقوله: باب الوضوء من النوم (٣) أورد فيه أحاديث كثيرة تثبت تلك الترجمة. وخالف النظام إجماع الأمة أيضا بقوله: (إن الطلاق لا يقع بشيء من الكنايات كقول الرجل لامرأته: أنت خلية أو برية أو حبلك على غاربك أو البتة أو إلحقي بأهلك أو اعتدي أو نحوها من كنايات الطلاق عند الفقهاء سواء نوى بها الطلاق أو لم ينوه) (٤).ذلك أن ما ذهب إليه المسلمون اعتبار النية. وقد عقد البخاري لهذا المعنى بابا ترجم له بقوله: (باب إذا قال فارقتك، أو سرحتك أو الخلية أو البرية أو ما عني به الطلاق، فهو على نيته) (٥).

ومن لطيف ما يروى عن بشر بن غياث المريسي المعتزلي في رد الإجماع أنه سأل الإمام الشافعي في حضرة هارون الرشيد: (ادعيت الإجماع، فهل تعرف شيئا أجمع الناس عليه؟). قال الشافعي: نعم أجمعوا على أن هذا الحاضر أمير المؤمنين فمن خالفه قتل (٦).

فالإجماع حقيقة تستند إلى الكتاب والسنة لا يمكن إنكارها، ولا يمكن فهمه إلا بالشكل السوي الذي فهمه به السلف الصالح.

المصدر:موقف المعتزلة من السنة النبوية لأبي لبابة حسين – ص ٧٣

الحديث الشريف هو ثاني مصادر الشريعة الإسلامية – بعد القرآن – وهو المفسر والمبين الأول لكتاب الله تعالى، ولهذا عني به أئمة المسلمين وعلماؤهم على مر العصور عناية تفوق الوصف فحرصوا على جمعه بكل طرقه، ثم لما أطلت المبتدعة برؤوسها واتخذوا وضع الأحاديث طريقا للتدليل على مذاهبهم الفاسدة، وضع سلف الأمة السند وعملوا على تمحيصه تمحيصا دقيقا ووضعوا لذلك علوما عديدة (٧) تخدم هذا الغرض كعلم الجرح والتعديل وأسماء الرواة وغير ذلك."عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" (٨).

وقد أدى ذلك إلى فرز الحديث صحيحه من ضعيفه، وإلى تنقيته مما وضعه الواضعون من المبتدعة – كالرافضة وغيرهم – فظل الحديث الشريف مصفى من الشوائب مبرأ من المعايب، يأخذ عنه المسلمون أسس دينهم في العقائد النظرية وفي الشرائع العملية على حد سواء، فما دل عليه من عقيدة اتخذوها دينا يتقلدونه، وما هدى إليه من شريعة عملوا بها دون مماحكة أو جدال.


(١) ((القاموس)) (٢/ ١٤٧).
(٢) ((تأويل مختلف الحديث)) (١٩).
(٣) ((فتح الباري)) (١/ ٣٢٥).
(٤) ((تأويل مختلف الحديث)) (١٩) - ((الفرق بين الفرق)) (١٤٥).
(٥) ((صحيح البخاري كتاب الطلاق – انظر فتح الباري)) (١١/ ٢٨٦).
(٦) ((مناقب الشافعي)) (١/ ٤٠١).
(٧) أوصلها بعض العلماء إلى ٥٦ علما، راجع ((مقدمة ابن الصلاح)).
(٨) ((مقدمة مسلم لصحيحه)).

<<  <  ج: ص:  >  >>