للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أهل السنة فقد وفقهم الله تعالى إلى المذهب الحق في كل تلك الأمور، فأما بالنسبة لحجية خبر الآحاد فقد أنعقد إجماع السلف من الأئمة على وجوب العمل به سواء في مجال العقيدة النظرية أو الشريعة العملية، فما دل على عقيدة اعتقدوها دينا، وما دل على شريعة عملية أطاعوها وعملوا بها. فإن خبر الآحاد "الصحيح" يفيد من الاطمئنان القلبي ما يجب بناء عليه أن يعمل بمقتضاه، وقد دلت على ذلك أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة. ففي السنة أن أهل قباء جاءهم واحد من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم بتحويل القبلة فتحولوا وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليهم، وبمثل بعثه صلى الله عليه وسلم لعماله واحدا بعد واحد وكذلك بإرساله الرسل فرادى يدعون الناس إلى الإسلام (١).أما عن إجماع الصحابة فقد نقلت عنهم وقائع لا تبلغ الحصر متفقة على العمل بخبر الواحد ووجوب الأخذ به. فمن ذلك ما روي عن أبي بكر الصديق أنه عمل بخبر المغيرة ومحمد بن مسلمة في ميراث الجدة أن النبي أطعمها السدس، فجعل لها السدس. ومن ذلك عمل عمر بن الخطاب بخبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) (٢). وعمل أيضا بخبر حمل ابن مالك في الجنين وهو قوله: كنت بين جاريتين لي (يعني ضرتين) فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة، فقال عمر: لو لم نسمع بهذا لقضينا غير هذا. وكذلك عمل عثمان وعلي بخبر فريعة بنت مالك في اعتداد المتوفى عنها زوجها في منزل زوجها أنها قالت: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجي أستأذنه في وضع العدة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)) (٣). وغير ذلك من عمل الصحابة كعائشة وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وابن عباس. . بل ويكفي إجماعهم على الأخذ بخبر أبي بكر الصديق يوم السقيفة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الأئمة من قريش)) (٤). فهذا إجماع منهم على ذلك (٥).


(١) ((إرشاد الفحول)) (٤٩).
(٢) رواه مالك في ((الموطأ)) (١/ ٢٧٨) , والشافعي في ((مسنده)) (١/ ٢٠٩) والبيهقي في ((سننه)) (٩/ ١٨٩) , وقال الشافعي في ((الأم)) (٥/ ٤٠٨): منقطع. وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (٢/ ١١٥): منقطع. وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٧/ ٦١٩): غريب على هذه الصورة. وقال الزيلعي في ((نصب الراية)) (٣/ ١٧٠): غريب بهذا اللفظ. وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (٥/ ٨٨): ضعيف بهذا اللفظ.
(٣) رواه أبو داود (٢٣٠٠) , والترمذي (١٢٠٤) , والنسائي (٦/ ٢٠٠) (٣٥٣٢) , وابن ماجه (٢٠٣١) من حديث الفريعة بنت مالك. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي حسن صحيح. قال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٣/ ١٥٨): صحيح مليح حسن. وصححه ابن قدامة في ((المغني)) (١١/ ٢٩٠) , وابن الملقن في ((البدر المنير)) (٨/ ٢٤٣) , والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) و ((صحيح سنن الترمذي)) و ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٤) رواه أحمد (٤/ ٤٢١) (١٩٧٩٢) , وابن أبي عاصم في ((السنة)) (٢/ ٢٩٤) , من حديث أبي برزة الأسلامي, قال ابن كثير في ((تحفة الطالب)) (٢١١): يقوى لأن له سندين جيدين, وصححه الألباني في ((ظلال الجنة)) (١١٢٥) , وروي عن أبي هريرة, وعلي, وأنس, رضي الله عنهم.
(٥) ((الإحكام للآمدي)) (٢/ ٩٠ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>