للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا فرق هنا بين العقائد والشرائع إذ أن الاطمئنان القلبي متحقق في كليهما سواء، لهذا أجمع السلف على الاعتقاد برؤية الله في الآخرة والصراط والميزان والحوض والشفاعة وعذاب القبر (١).

أما عن الخبر المتواتر فقد ذهب أهل السنة إلى إفادته "العلم" أي اليقين القلبي القاطع الذي لا تشوبه شائبة من أي ناحية. وقد ذهبت طوائف من أهل السنة كمالك والشافعي وأبي حنيفة وطوائف من المحدثين والفقهاء إلى أن خبر الواحد يفيد العمل ولا يفيد "العلم" (٢)، وقد قصدوا "بالعلم" هو ذلك اليقين القلبي الجازم الحاصل بمثل التواتر. ولا شك أن الفارق موجود بين يقين القلب بخبر التواتر والجزم باستحالة كذبه، وبين الاطمئنان القلبي القريب من اليقين بخبر الواحد الصحيح إلا أن ذلك فرق لا معول عليه بدليل إجماعهم على وجوب العمل به عملا واعتقادا. كما أن طوائف من المحدثين والفقهاء قالوا فإفادته للعلم كأحمد بن حنبل وابن تيمية وحكاه ابن حزم عن داود الظاهري والحسين بن علي الكرابيسي، وحكاه ابن خويز منداد عن مالك وجزم به (٣).

وأما ما أوردوه من تعارض بين الحديث والعقل أو الكتاب أو الأحاديث الأخرى، فليس فيه تعارض إلا من جهة عقولهم الفاسدة ومناهجهم السقيمة. فحديث ((إذا قام أحدكم من نومه. .)) (٤). ليس المقصود بقوله ((أين باتت يده)) هو عدم معرفة مكانها بالليل! "بل لعله في منامه مس بها فرجه أو دبره وليس يؤمن أن يصيب يده قاطر بول أو بقية مني إن كان جامع قبل المنام فإذا أدخلها في الإناء قبل أن يغسلها أنجس الماء وأفسده وخص النائم بهذا لأن النائم قد تقع يده على هذه المواقع وعلى دبره وهو لا يشعر، فأما اليقظان فإنه إذا لمس شيئا من هذه المواضع فأصاب يده منه أذى، وعلم به ولم يذهب عليه فغسلها قبل أن يدخلها في الإناء أو يأكل أو يصافح" (٥).وأما عن حديث ((لا وصية لوارث)) (٦). فقد ذهب أهل السنة إلى أن الآية كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ منسوخة بآية المواريث في سورة النساء في قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء: ١١].

"قال ابن عباس والحسن: نسخت الوصية للوالدين بالفرض في سورة النساء وثبتت للأقربين الذين لا يرثون وهو مذهب الشافعي وأكثر المالكية وجماعة من أهل العلم".


(١) ((مقالات الأشعري)) (٤٧٢ وما بعدها)، ((الفتاوى لابن تيمية)) (٣/ ١٤٦ وما بعدها).
(٢) ((الاعتصام)) (١/ ٢٣٥).
(٣) ((إرشاد الفحول)) (٤٨).
(٤) رواه البخاري (١٦٢) , ومسلم (٢٧٨) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (إذا استيغظ أحدكم من نومه ... ).
(٥) ((تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة)) (٨٩).
(٦) رواه أبو داود (٢٨٧٠) , والترمذي (٢١٢٠) , وابن ماجه (٢٧١٣) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه, والحديث سكت عنه أبي داود. وصححه الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (٢/ ١٥٧). وحسنه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٧/ ٢٦٤). وقال ابن حجر في ((تلخيص الحبير)) (٣/ ١٠٨٢): إسناده حسن. وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) , و ((صحيح سنن الترمذي)) و ((صحيح سنن النسائي)).

<<  <  ج: ص:  >  >>