للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هـ - موقفهم من حد شارب الخمر والنبيذ: لقد تمسك بعض المعتزلة بالرأي الشاذ حول حد الخمر القائل: إن الرسول لم يفرض في الخمر حدا، وأنه وبعض الصحابة إنما ضربوا بالجريد والنعال والأردية وعزف هؤلاء المعتزلة عما أجمع عليه الصحابة من وجوب الحد في الخمر (١) بل وهاجموا الحد، من ذلك أن جعفر بن مبشر زعم (أن إجماع الصحابة على حد شارب الخمر كان خطأ، إذ المعتبر في الحدود: النص والتوقيف) (٢).والملاحظ أن النص والتوقيف متوفران، فالاتفاق كامل بين الصحابة والعلماء على أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلد من شرب الخمر ولكن ثمة اختلاف حول عدد الجلدات (٣).وقد أطنب الفقهاء والمحدثون في الحديث عن الموضوع وسرد كل الآراء مهما كانت متضاربة ومتطرفة، وقد أورد ابن حجر خلاصة حول الموضوع قال فيها: وقد استقر الإجماع على ثبوت حد الخمر وإن لا قتل فيه، واستمر الاختلاف في الأربعين والثمانين (٤).والملاحظ أن حد النبيذ بدوره ثمانون جلدة (٥) أي أنه مساو لحد الخمر فقد قرر الفقهاء وجوب جلد من شرب خمرا أو نبيذا مسكرا ثمانين سكر أو لم يسكر (٦).وخالف عمرو بن عبيد فنسب إلى الحسن البصري أنه قال: إن السكران من النبيذ لا يجلد وقد أكذبه أيوب السختياني وقال: أنا سمعت الحسن يقول: يجلد (٧).

وموقفهم من حد السارق:

ومن المواطن التي خالف فيها العديد من المعتزلة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم موقفهم من حد السرقة. فقد جعل القرآن الكريم قطع اليد جزاء وفاقا للسرقة فقال جل من قائل: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: ٣٨].

ثم جاءت السنة وحددت قيمة المسروق الذي يوجب القطع وبينت حاله كما بينت ما ينبغي القطع فيه، ومن أين يقع القطع. جاء عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم (٨) وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا)) (٩) على أن يكون المسروق حرزا والسارق مستغنيا عن السرقة. كما سن الرسول أن لا قطع في ثمر ولا كثر (١٠)، وبين أن القطع إنما يكون في اليد اليمنى ومن الرسغ. وخالف الكثير من المعتزلة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا أبو الهذيل العلاف والجبائي يفسقان سارق الدرهم من حرز (١١).أما جعفر بن مبشر فيزعم أن من سرق حبة أو ما دونها فهو فاسق منخلع من الإيمان مخلد في النار (١٢).ويذهب النظام إلى أن من غصب أو سرق مائة وتسعة وتسعين درهما لم يفسق بذلك حتى يكون ما سرقه أو غصبه وخان فيه مائتي درهم فصاعدا (١٣).

وبذلك هدموا الشرع وتحللوا من الأحكام وحكموا أهواءهم فيما يأتون وما يدعون.

ز – تخليدهم صاحب الكبيرة في النار:


(١) ((نيل الأوطار)) (٧/ ١٦٩).
(٢) ((ملل الشهرستاني)) (١/ ٥٩) - ((الفرق بين الفرق)) (١٦٨).
(٣) ((فتح الباري)) (٧/ ١٦١).
(٤) ((فتح الباري)) (١٥/ ٨٠).
(٥) ((فتح الباري)) (١٥/ ٧٥).
(٦) ((رسالة أبي زيد القيرواني)) (٤٤٠).
(٧) ((مقدمة مسلم)) (١/ ٢٣) - ((ميزان الاعتدال)) (٣/ ٢٧٦).
(٨) ((الموطأ)) (٥١٩).
(٩) ((فتح الباري)) (١٥/ ١٠٧).
(١٠) ((الرسالة)) (٤١) - ((الموطأ)) (٥٢٤).
(١١) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٣٣٣١).
(١٢) ((الفرق بين الفرق)) (١٦٨) - ((ملل الشهرستاني)) (١/ ٥٩).
(١٣) ((الفرق بين الفرق)) (١٤٤) - ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٣٣٤) - ((الملل)) (١/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>