للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغت ببعض المعتزلة مناوأتهم للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم أن أنكروا إعجاز القرآن فقال النظام: إن نظم القرآن وحسن تأليف كلماته ليس معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ولا دلالة فيه على صدقه في دعواه النبوة ذلك أن القرآن كتاب كسائر الكتب المنزلة لبيان الأحكام من الحلال والحرام، ووجه الدلالة في هذا الكتاب على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو ما فيه من الأخبار عن الغيوب. فأما نظم القرآن وحسن تأليف آياته فإن العباد قادرون على مثله وعلى ما هو أحسن منه في النظم والتأليف ولم يعارضه العرب لأن الله تعالى صرفهم عن ذلك وسلب علومهم به وهو ما عرف عندهم بالصرفة (١). وقال عيسى بن صبيح الملقب بالمردار (ت ٢٢٦هـ) إن الناس قادرون على مثل القرآن فصاحة ونظما وبلاغة (٢).ونفى هشام الفوطي وعباد بن سليمان أن يكون شيء من الأعراض دالا على الله سبحانه أو على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولما كانا يزعمان أن القرآن أعراض فهو ليس علما للنبي صلى الله عليه وسلم (٣).وذهب ابن الراوندي الزنديق في كتابه (الدامع) إلى الطعن في نظم القرآن ومعانيه، وارتطم في إثم القول: إن في القرآن سفها وكذبا (٤) إلا أن هذه الآراء الغريبة كان قد تناولها العديد من رجال الاعتزال بالطعن والتجريح والرد عليها: فتولى أبو الحسين الخياط وأبو علي الجبائي الرد على ابن الراوندي فنقض ما تورط فيه من الانحرافات في كتابه (الدامع) وتولى الجاحظ في كتابه (نظم القرآن) الرد على النظام في قوله بالصرفة (٥).ومما رد به أبو سليمان الخطابي في كتابه (إعجاز القرآن على دعوى الصرفة أن دلالة الآية تشهد بخلافه)، وهي قوله سبحانه وتعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: ٨٨] فأشار القرآن إلى أمر طريقة التكلف والاجتهاد وسبيله التأهب والاحتشاد والمعنى في الصرفة التي وصفوها لا يلائم هذه الصفة فدل على أن المراد غيرها (٦).


(١) ((فضل الاعتزال)) (٧٠) - ((الفرق بين الفرق)) (١٤٣) , ((ملل الشهرستاني)) (١/ ٥٦) - ((مسلم)) (٥٧) - ((إعجاز القرآن)) - مقدمة- سيد صقر (٨٠٧).
(٢) ((ملل الشهرستاني)) (١/ ٥٤).
(٣) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٢٩٦).
(٤) ((إعجاز القرآن)) للباقلاني – مقدمة- سيد صقر (٨).
(٥) ((إعجاز القرآن)) للباقلاني – مقدمة- سيد صقر (٨).
(٦) ((إعجاز القرآن)) - مقدمة- سيد صقر (١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>