للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الزمخشري لتطويع هذه الآية لمذهبهم (الوجه أن يكون الفعل المنفي لا "يغفر" جميعا موجهين إلى قوله تعالى: لمن يشاء كأنه قيل: إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك على أن المراد بالأول من لم يتب وبالثاني من تاب. ونظيره قولك: إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء تريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله (١).فقد سوى بين المسلم والمشرك في وجوب التوبة مطوعا الآية لخدمة هذه التسوية (فردته ونبت عنه) (٢) كما يقول صاحب كتاب (الإنصاف). لأن (الشرك غير مغفور البتة وما دونه من الكبائر مغفور لمن يشاء الله أن يغفر له، هذا مع عدم التوبة وأما مع التوبة فكلاهما مغفور) (٣). وهذه هي عقيدة أهل السنة و (الآية إنما وردت فيمن لم يتب ولم يذكر فيها توبة كما سنرى فذلك أطلق الله تعالى نفي مغفرة الشرك وأثبت مغفرة ما دونه مقرونة بمشيئة الله، فهذا وجه انطباق الآية على عقيدة أهل السنة) (٤).ثم أن المعتزلة بعد أن أقروا أن الله لا يغفر لمن خرج من الدنيا على معصية بدون توبة لأن ذلك يتنافى مع عدله وبالتالي مع وعده ووعيده، بل ومع نظريتهم في الصلاح والأصلح، وضعوا صاحب الكبيرة في المنزلة بين المنزلتين في الحياة الدنيا وأنزلوه جهنم في الآخرة خالدا فيها غير أن عذابه أخف من عذاب الكافر (٥).وهو حكم يزعم جعفر بن مبشر أنه من موجبات العقول مخالفا (أسلافه الذين قالوا: إن ذلك معلوم بالشرع دون العقل (٦).ذلك أن أهل النار إذا دخلوها لم يصح خروجهم منها لأن في خروجهم ثوابا، فيصبح الواحد منهم من أهل الثواب، ومن أهل العقاب معا وهذا كالمتضاد (٧).

وللمعتزلة أدلتهم فيما ذهبوا إليه من تأبيد العقاب في النار من ذلك: أ- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من قتل نفسه بحديدة, فحديدته في يده يجأ بها نفسه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)) (٨).

وقد أجيب عنه بستة أجوبة منها:

١ - أن محمد بن عجلان رواه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلم يذكر خالدا مخلدا.


(١) ((الزمخشري)) (١/ ٥٣٢).
(٢) ((الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال)) (١/ ٥٣٢).
(٣) ((الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال)) (١/ ٥٣٢).
(٤) ((الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال)) (١/ ٥٣٢).
(٥) ((الملل والنحل)) (١/ ٤٥، ٤٨، ٧٠، ٨١).
(٦) ((الفرق بين الفرق)) (١٦٨).
(٧) ((فضل الاعتزال)) (٢٠٩).
(٨) رواه البخاري (٥٧٧٨) , ومسلم (١٠٩) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>