للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وقد قبل أبو طلحة ومن معه خبر المخبر لهم في تحريم الخمر، وهو واحد، إذ أخبرهم في تحريم ما كان حلالاً عندهم، وأكد أبو طلحة رضي الله عنه ذلك بإتلاف الجرار وهي مال، وإراقة الخمر وهي سرف، فلو لم يكن الخبر عندهم حجة لما أقدم على ذلك."والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصر، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأرض، المجاورين لبلاد العرب، وكانوا آحاداً، وأمرهم بتعليم من أسلم، شرائع الدين، كما بعث كثيراً من أصحابه إلى جهات متعددة ليعلموا الناس شعائر الإسلام. فبعث معاذاً إلى اليمن، وأبا موسى إلى زبيد، وأبا عبيدة إلى نجران، وبعث إلى كل طائفة معلماً يعلمهم دينهم، ويبلغهم أحكام الشرع، وكانت الحجة قائمة بتبليغ كل واحد من هؤلاء على من بلغهم، وهم ملزمون بقبول ما أمرهم به" (١)."وقد أجمع الصحابة والتابعون لهم من سلف الأمة، بل والأمة بأسرها على قبول خبر الواحد الثقة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى حدث متكلموا المعتزلة بعد المائة، فخالفوا الإجماع" (٢).وقد نقل جماعة من العلماء هذا الإجماع (٣).أسباب ردهم لأحاديث الآحاد (٤):

من أبرز الأسباب التي جعلتهم يقفون هذا الموقف، أن الأحاديث هذه كانت تتعارض مع ما قرروه في نظرياتهم العقدية، وأصولهم المنحرفة.

- من ذلك قولهم في صفات الله تعالى، وتسليط عقولهم على نصوص الوحي بالتأويلات التي لا ضابط لها.- ومن ذلك نفيهم الأحاديث في رؤية الله تعالى يوم القيامة، رغم أن أحاديث الرؤية كثيرة بلغت حد التواتر في الصحاح والسنن والمسانيد، وقد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثين صحابياً (٥).

ومن تلك الأحاديث ما رواه البخاري بسنده إلى جرير قال: ((كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا)) (٦).قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "من كذب بالرؤية فهو زنديق" (٧).- ومن ذلك: توسعهم في موضوع القدر، حتى جعلوه أصلاً من أصولهم الخمسة، وقد زعموا أن العقل هو الذي قادهم إلى ذلك، أما نصوص الكتاب والسنة، فلا دخل لها بشأن العدل، وما ورد من أحاديث الآحاد دالاً على ذلك، فهو ضرب من ضروب الخطأ (٨).- وفي قضية مرتكب الكبيرة: فالمعتزلة لا يعتمدون على نص من القرآن أو السنة في إطلاقهم الأحكام على صاحب الكبيرة، وإنما كان جل اعتمادهم على العقل، إذ تجاوزوا الأحاديث وحكموا على صاحب الكبيرة بالخلود في النار كالكافر (٩).

- ورد المعتزلة أحاديث الشفاعة في أهل الكبائر يوم القيامة، وأنكروها أيما إنكار، وقالوا: إن النبي لا يشفع لصاحب الكبيرة ولا يجوز له ذلك؟! لأن إثابة من لا يستحق الثواب قبيحة. والفاسق إنما يستحق العقوبة على الدوام، فكيف يخرج من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم؟ (١٠).والأحاديث التي وردت في إثبات الشفاعة لأهل الكبائر ثابتة، منها أحاديث متعددة في الصحيحين، ومنها ما يكثر عدده في السنن والمسانيد (١١).- وقد بارك المستشرقون موقف المعتزلة من السنة النبوية، ورأوا أن وجهتهم في رد الأحاديث بالعقل هي الوجهة الصحيحة التي يجب أن تناصر وتؤيد ضد المتشددين الحرفيين الجامدين على النصوص .. فهم أهل العقل الحر والمنهج القويم، الذي يجب أن يبقى ويستمر (١٢).

المصدر:العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب لمحمد حامد الناصر - ص ٢٥


(١) ينظر: ((الإحكام في أصول الأحكام)) لابن حزم (١/ ١١٠، ١١٣ - ١١٤).
(٢) ينظر: ((الإحكام في أصول الأحكام)) لابن حزم (١/ ١١٠، ١١٣ - ١١٤).
(٣) انظر: ((الرسالة للإمام الشافعي)) (ص ٤٥٣)، ((فتح الباري)) (١٣/ ٢٣٤)، و ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (ص٤٩) مطبعة البابي الحلبي/ ١٩٣٧م.
(٤) ينظر: ((موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية)) (ص١٣٢، ٢٨٥، ٢٨٦، ٣٥٥).
(٥) انظر: ((شرح الطحاوية)) (١٩٤).
(٦) ((صحيح البخاري)) -كتاب التوحيد- (٩٧)، (٨/ ١٧٩).
(٧) ((لوامع الأنوار البهية)): (٢/ ٢٤٦)، محمد أحمد السفاريني، مكتبة أسامة/ الرياض/ المكتب الإسلامي/ بيروت.
(٨) انظر: ((فضل الاعتزال)) للقاضي عبدالجبار (ص٢٨٦)، (ص٢١٠).
(٩) انظر: ((فضل الاعتزال)) للقاضي عبدالجبار (ص٢٨٦)، (ص٢١٠).
(١٠) ((شرح الأصول الخمسة)): للقاضي عبدالجبار (ص٦٨٨ - ٦٨٩).
(١١) انظر ((الفتاوى)) لابن تيمية، (١/ ٣١٤)، و ((صحيح البخاري)) -كتاب الإيمان-.
(١٢) ((موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية)) (ص ٣٥٥) الأمين الصادق الأمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>