للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وذكروا أن الواحد من أصحاب الحديث يحب الاستكثار من طريق واحد، ولا يكون فيه كبير فائدة، إلا تخير الزيادات فيه."ومعلوم" أن المعتزلة لم يشتهروا بالفقه والحديث، لأنهم توفروا "اكتفوا" على ما عندهم، وهو أجدى في الدين، من طلب الفقه والحديث" (١).

هذا وإن ذمهم لتعلم الحديث، ينبئ عن جهلهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلة معرفتهم به، وعدم الاعتناء والاهتمام به، ولذلك قل استدلالهم بالحديث في كتبهم. قال عبدالله بن المبارك: "وجدت الدين لأهل الحديث، والكلام للمعتزلة، والكذب للرافضة، والحيل لأهل الرأي" (٢).

- أما حجية أحاديث الآحاد: فلو ترك الاحتجاج بها، لتهاوت أركان الشريعة الإسلامية، واندثر الحق، وغاب الهدى، وصار للباطل صولة ..

والأدلة كثيرة من كتاب الله وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف، بل وإجماعهم على الاحتجاج وقبول الاستدلال به كثيرة لا تحصى .. وسوف نورد فيها ما يناسب المقام:- قال تعالى: فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة: ١٢٢]. أورد الإمام البخاري هذه الآية، في ترجمة أول باب من كتاب: (أخبار الآحاد) ليدلل بها على جواز العمل به والقول بأنه حجة (٣).ولفظ طَآئِفَةٌ في الآية يتناول الواحد فما فوقه، ولا يختص بعدد معين، وذلك منقول عن ابن عباس وغيره (٤).

- وفي السنة النبوية: روى البخاري بسنده إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: (بينا الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة).والحجة في هذا الحديث بينة ظاهرة، فإن أهل قباء كانوا على قبلة فرض الله عليهم التوجه إليها، وهي بيت المقدس، فتحولوا عنها بخبر الذي أخبرهم بأن النبي أمر أن يستقبل الكعبة (٥).


(١) ((فصل الاعتزال وطبقات المعتزلة)): القاضي عبدالجبار، (ص١٩٣ - ١٩٤) – الدار التونسية للنشر.
(٢) انظر: ((مختصر الصواعق المرسلة)): (ص ٤٧١).
(٣) انظر: ((صحيح البخاري)): (٤/ ١٣٢)، و ((فتح الباري)): (١٣/ ٢٣٣) ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي/ ط دار الفكر.
(٤) ((فتح الباري)) (١٣/ ٢٣٤) ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي/ ط دار الفكر.
(٥) انظر ((فتح الباري)): (١٣/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>