للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا اعتبرت إقامة الحد كفارة لصاحبها ومجزية عن إعلان التوبة، فإن غفران ذنب من لم يقم عليه الحديث ولم يتب يبقى رهن إرادة الله وذلك مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم في عصابة من صحابته ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك)) (١).وإن المعتزلة القدرية بتشددهم في تخليد مرتكب الذنب في النار ما لم يتب ينطبق عليهم المثل السائر (السيد يعطي والعبد يمنع) لأن الله تعالى يصرح كرمه بالمغفرة للمصر على الكبائر إن شاء، وهم يدفعون في وجه هذا التصريح ويحيلون المغفرة بناء على قاعدة الأصلح والصلاح التي هي بالفساد أجدر وأحق (٢).

ح- إنكارهم لعذاب القبر: ومما أثبتته السنة وأنكره المعتزلة عذاب القبر. يقول الأشعري: إنهم والخوارج نفوا عذاب القبر (٣).ولئن جعل القاضي عبد الجبار المعتزلة ينقسمون إلى منكر لعذاب القبر ومثبت له فإنه يقول إن الذي نفاه إنما هو ضرار بن عمرو "وهو من أصحاب واصل بن عطاء" ويورد حجة المنكرين فيقول: إن الميت لما يدفن (لا يسمع ولا يبصر ولا يدرك ولا يلتذ فكيف يجوز عليه المسألة والمعاقبة مع الموت)؟ ويضيف: (وأنكر مشايخنا عذاب القبر في كل حال) (٤).وهذا مخالف صراحة لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه، وقد عقد البخاري بابا في كتاب الجنائز ترجم له بقوله: (باب ما جاء في عذاب القبر) (٥) وقد أورد فيه عددا من الأحاديث منها:- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟)) الحديث (٦).

كما أن كلا من أبي داود والنسائي والترمذي عقدوا أبوابا ترجموا لها بنحو ما ترجم له البخاري وأوردوا فيها أحاديث كثيرة تثبت كلها عذاب القبر.

المصدر:موقف المعتزلة من السنة النبوية لأبي لبابة حسين – ص ١١٣

المبحث الرابع: الرد على شبه المعتزلة حول الحديث النبوي (٧)

يعتبر الحديث النبوي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، وهو وإن كان دونه في المنزلة، إلا أنه مثله في الحجية ....

وما أثاره المعتزلة حوله من شبه، إنما هي شبه واهية، لا تستند إلى دليل، ولا تؤيدها حجة.

من تلك الشبه: ذمهم لتعلم الحديث، وإنكار حجية أحاديث الآحاد، ورفض الأحاديث التي تتعارض مع عقولهم وأصولهم.

- أما ذمهم لتعلم الحديث وأهله: فهو معروف عنهم، إذ حذروا من تعلمه، وقللوا من فائدته والاستدلال به، ونصوا على أنه لا حاجة إليه، إذ اعتبروا أن العقول تغني عنه، والأذهان تكتفي بغيره.


(١) رواه البخاري (٦٤٨٧).
(٢) ((الإنصاف الكشاف)) (١/ ٥٣٣).
(٣) ((مقالات الإسلاميين)) (٢/ ١١٦).
(٤) ((فضل الاعتزال)) (٢٠٢).
(٥) ((فتح الباري)) (٣/ ٤٧٣).
(٦) ((فتح الباري)) (٣/ ٤٨٠) – والحديث خرجه مسلم ٤/ ٢٢٠٠ – الترمذي ٣/ ٣٧٤.
(٧) ينظر: ((موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية))، (ص١٠٠ - ١٣٠) الأمين الصادق الأمين/ ١٤١٤هـ/ جامعة أم القرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>