للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله بأن عذاب أهل النار ونعيم أهل الجنة سينتهيان إلى نهاية حيث يبقى كل من أهل الجنة وأهل النار ساكنا في مكان لا يتحرك!

كذلك قال بأن أهل الجنة والنار مسيرون في أقوالهم وأفعالهم التي يقولونها ويفعلونها في الآخرة ولا حيلة لهم فيها! وانظر إلى هذا التناقض العجيب!! إذ جعل الناس في الدنيا يفعلون ما يشاؤون وفي الآخرة مسيرون لا يختارون! فهو قدري في الدنيا جبري في الآخرة (١).

كما قال بأن التواتر الذي يعتبر حجة هو ما يجمع عليه عشرون شخصا أحدهم من أهل الجنة!.كذلك قال بأن الميت لا يقدر على أن يأتي بأفعال القلوب وإن كان قادرا على أفعال الجوارح، وقد طور الجبائي وابنه هذه الأقوال فقال إن الميت يقدر على أفعال القلوب والجوارح معا (٢).وكان هو أول من صرح أن الله عالم بعلم هو ذاته وأن قدرة الله هي الله وهكذا. أما ما قاله في دقيق الكلام متأثرا بالفلسفة اليونانية عن الجسم فقد وصفه بأنه "الطويل العريض العميق" (٣) وقال عن "الجوهر الفرد" هو الجزء الذي لا يتجزأ وعرفه بأنه: لا طول ولا عرض ولا عمق ولا اجتماع فيه ولا افتراق وأنه قد يجوز أن يجامع غيره وأن يفارق غيره وأن الخردلة يجوز أن تتجزأ نصفين ثم أربعة ثم ثمانية إلى أن يصير كل جزء منها لا يتجزأ (٤) وقد اقترب في تعريفه ذاك من معنى النقطة الرياضية. وقد خالفه النظام في ذلك فأنكر وجود الجزء الذي لا يتجزأ وقال إن كل شيء يقبل التجزئة إلى ما لا نهاية.

ونحن لا ننكر البحث في معنى الجسم من الناحية الرياضية أو تصورهم للأجزاء والأقسام، إنما ننكر الخلط بين ذلك وبين المباحث الخاصة بالذات الإلهية مما أدى إلى التخبط والخلط والبدعة. أما عن الأعراض فقد قال العلاف: إن منها ما يبقى ومنها ما يزول، فما يزول كحركات الأجسام، وهو القول الذي أداه إلى زوال حركات أهل الآخرة، وما يبقى فهو كالسكون الذي يتحولون إليه بعد الحركة (٥).

وقد قال إن الأعراض يمكن رؤيتها كالحركات والسكنات والألوان والاجتماع والافتراق، ويمكن لمسها بلمس الجسم نفسه.

وقد خالفه الجبائي في لمس الأعراض وإن وافقه في رؤيتها.

وخالفهما النظام في رؤية الأعراض ولمسها والألوان فقال إنها جسم يمكن رؤيته. أما عن الخلق: فقد قال العلاف إن خلق الشيء غير الشيء نفسه، وإن عادة الخلق غير الشيء المعاد، وإن إرادة الخلق غير الشيء المخلوق، وخالفه النظام فقال: بل الخلق هو نفس الشيء، وإرادة الشيء المخلوق هي الشيء المخلوق إلا إن كانت أمرا فهي غيره (٦).

المصدر:المعتزلة بين القديم والحديث لمحمد العبده وطارق عبد الحليم – ص ١٠١


(١) ((مذاهب الإسلاميين)) لبدوي (١٣٣).
(٢) ((الفرق بين الفرق)) (١٢١).
(٣) ((مقالات الإسلاميين)) (٢/ ٨).
(٤) ((مذاهب الإسلاميين)) لبدوي (١٨٢).
(٥) ((مذاهب الإسلاميين)) لبدوي (١٩٠).
(٦) ((مذاهب الإسلاميين)) لبدوي (١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>