للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا – مسألة وجوب شكر المنعم سبحانه وتعالى: وقد أوضح القاضي عبد الجبار دخول هذه المسألة في أصل (العدل) فقال: (ومن علوم العدل، أن نعلم أن جميع ما بنا من النعم فمن الله تعالى، سواء كان من جهة الله تعالى، أو جهة غيره، ودخوله في العدل، أنه تعالى كلفنا الشكر على جميع ما بنا من النعم، فلولا أنها من فعله وإلا كان لا يكلفنا أن نشكره عليها أجمع، لأن ذلك يكون قبيحا) (١).

ثالثا – لا يجوز عندهم نسخ العبادات والتكاليف: وقالوا معللين ذلك: (العبادات مصالح، فلا يجوز رفعها) (٢).وقالوا: (من الأفعال ما لها صفات نفسية تقتضي حسنها وقبحها، فلا يمكن نسخها) (٣).

رابعا – لا يجوز للشارع التكليف مع المنع من فعل ما كلف:

وعللوا ذلك بأن التكليف مع المنع من الفعل قبيح، فلا يحسن من الله تعالى أن يكلف العبد به. قال القاضي عبد الجبار: (اعلم أن من شرط المكلف: أن يكون مخلى بينه وبين ما كلف، ومتى كان هناك منع زالت التخلية وتعذر الفعل لأجله، فالتكليف قبيح. . . وأنه إنما لم يحسن تكليف ما لا يطاق لهذه العلة، وقد علمنا أن الفعل يتعذر مع المنع، كما أنه يتعذر مع العجز، فيجب ألا يحسن منه تعالى التكليف معه) (٤).

خامسا – لا يجوز إسماع الله المكلف العام المخصوص دون أن يسمعه المخصص: قال أبو الهذيل والشحام: (لو كان في معلوم الله سبحانه أنه يسمع الآية التي ظاهرها العموم من لا يسمع ما يخصصها، لم يجز أن ينزلها إلا ومعها تخصيصها) (٥).

سادسا – لا يجوز أن يقول الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم، أو للعالم احكم بما شئت: فعند المعتزلة لا يجوز أن يقول الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم، أو للعالم: احكم بما شئت، فإنك لا تحكم إلا بالحق ولا تقول إلا الصدق. قالوا معللين ذلك: (إن الشرائع إنما يتعبد الله بها لكونها مصالح، والإنسان قد يختار الصلاح، وقد يختار الفساد فلو أباح الله تعالى للإنسان الحكم بما يختاره لكان فيه إباحة الحكم بما لا يأمن من كونه فسادا) (٦).

وسيأتي أيضا بيان هذه المسائل كلها في موضعه من هذا البحث بعون الله تعالى، وتوفيقه.

وأما (الوعد والوعيد)، فإن المعتزلة يقصدون بهذا الأصل أن من امتثل أوامر الله سبحانه وتعالى، فقد استحق الثواب على الطاعة والاتباع ولذلك وجب على الله تعالى أن يدخله الجنة، ومن ارتكب ما نهى الله عز وجل عنه، فقد استحق العقاب على المخالفة والعصيان، ولذلك وجب على الله تعالى أن يدخله النار. ولهذا قالوا: (الوعد والوعيد، ليس كلام الله الأزلي، وإنما أمر ونهي، ووعد وأوعد، بكلام محدث، فمن نجا فبفعله استحق الثواب، ومن خسر فبفعله استوجب العقاب، والعقل من حيث الحكمة يقتضي ذلك) (٧).

ومن مسائل أصول الفقه التي كان لأصل (الوعد والوعيد) أثر كبير فيها بالنسبة لهم، ما يلي:

أولا – اشتراط الإرادة في الأمر والنهي: وقد علل المعتزلة اشتراط الإرادة فيهما بأنهما لو لم يكونا مشروطين بها لكان الشارع عابثا، وفي ذلك يقول القاضي عبد الجبار: (قد بينا من قبل أنه لا يجوز منه تعالى وقد خاطبنا بلغة مخصوصة وبكلام يتضمن الأمر والنهي، والوعد والوعيد، إلا ويريد بذلك أمرا ما، وإلا كان عابثا) (٨).


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) (١٣٤).
(٢) ((المسودة)) (٢٠٠).
(٣) ((المستصفى)) للغزالي (١/ ١٢٢).
(٤) ((المغني)) (١١/ ٣٩١)، ((متشابه القرآن)) (٧١٥).
(٥) ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (٢٧٧).
(٦) ((المعتمد)) (٢/ ٣٢٩)، ((المسودة)) (٥٤).
(٧) ((الملل والنحل)) (١/ ٤٢).
(٨) ((المغني)) (١٧/ ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>