للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا – الواجب المخير يقتضي وجوب الجميع على سبيل البدل: وفي ذلك يقول القاضي عبد الجبار مترجما رأي المعتزلة في هذه المسألة: (والصحيح أن حال الجميع سواء في أنه واجب) (١).

فعندهم أن المكلف لا يجوز له الإخلال بجميع خصال الواجب المخير، وإلا كان مرتكبا لمحظور يستحق بسببه الوعيد.

ثالثا – المحرم المخير، يجب فيه ترك الجميع: ولهذا قالوا: (إذا تعلق النهي بأشياء على جهة التخيير فإنه يقتضي المنع من الكل) (٢).

رابعا – المجتهد المخطئ يستحق الإثم والعقاب: وإلى ذلك ذهب الأصم وبشر المريسي (٣) المعتزليان، ولهذا قالا: (الحق في أحكام الفروع واحد منها، وأن عليه دليلا يلزم كل أحد المصير إليه، والنظر فيه، والوصول إلى القول الذي هو ألحق به، وأن من قصر في ذلك فلم يصل إليه، ولم يقل به، فإنه مخطئ، ويختلف خطؤه، فربما كان كبيرا، وربما كان صغيرا) (٤).

خامسا – لا يجوز للعامي تقليد المجتهد في فروع الشريعة: ذهب المعتزلة البغداديون، إلى أنه لا يجوز للعامل تقليد المجتهد في فروع الشريعة، بل يجب عليه النظر وطلب الدليل، ولهذا قالوا: (لا يجوز له أن يأخذ بقوله إلا بعد أن يبين له حجته) (٥).وأما أصل (المنزلة بين المنزلتين) فإنه تابع لأصل (الوعد والوعيد) فمن ارتكب ما نهى الله عنه، فإنه يكون عندهم فاسقا يستحق الخلود في النار إذا مات مصرا على فسقه، لكونه أحبط ثواب أعماله الصالحة بعصيانه، ولهذا قالوا: (إن المؤمن إذا خلط الحسنات بالسيئات، فهو مخلد في النار، والكبيرة الواحدة تحبط جميع الطاعات، لأن الثواب منفعة خالصة دائمة مع التعظيم، والعقاب مضرة خالصة دائمة مع الإهانة، فلا يجتمعان استحقاقا، إذ الجمع بينهما محال) (٦).ويؤكد القاضي عبد الجبار ذلك، فيقول: (إن ما يستحقه المرء على الكبيرة من العقاب يحبط ثواب طاعاته) (٧).وأما الأصل الأخير عندهم، وهو (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، فإنه تابع للأمر والنهي، ولهذا يقول الكرماستي (٨) رحمه الله تعالى: (قالت المعتزلة بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحق أنه تابع للمأمور به والمنهي عنه، فيكون الأمر بالواجب واجبا، وبالمندوب مندوبا، والنهي عن الحرام واجبا، وعن المكروه مندوبا) (٩).

ومن هذا العرض الموجز، يتبين لنا بوضوح مدى الارتباط الوثيق والكبير بين أصولهم العقدية وآرائهم اللأصولية.

المصدر:آراء المعتزلة الأصولية لعلي سعد الضويحي – ص ١٣٦


(١) ((المغني)) (١٧/ ١٢٣).
(٢) ((المغني)) (١٧/ ١٣٥)، ((المعتمد)) (١/ ١٦٩)، ((الوصول إلى الأصول)) (١/ ١٩٩)، ((التمهيد)) لأبي الخطاب (١/ ٣٦٨)، ((المسودة)) (٨١).
(٣) ((وفيات الأعيان)) (١/ ٢٧٧)، ((شذرات الذهب)) (٢/ ٤٤)، ((الفرق بين الفرق)) (٢٠٤)، ((الفتح المبين)) (١/ ١٣٦).
(٤) ((شرح العمد)) (١٦٩)، ((المحصول)) للرازي (٣/ ٢/٥٠).
(٥) ((المعتمد)) (٢/ ٣٦٠)، ((التبصرة)) للشيرازي (٤١٤)، ((المستصفى)) (٢/ ٣٦١)، ((الوصول إلى الأصول)) (٢/ ٣٥٨)، ((التمهيد في تخريج الفروع على الأصول)) للأسنوي (٥٢٦).
(٦) ((مقاصد الكلام)) (١٦٠)، ((اللباب في أصول الدين)) (٦٦).
(٧) ((شرح الأصول الخمسة)) (٦٣٢).
(٨) ((شذرات الذهب)) (٧/ ٣٦٥).
(٩) ((عقائد الفرق الناجية)) (٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>