للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبناء على ما ذكرناه فقد بنى أهل السنة وسلف الأمة قولهم في الصفات: فأثبتوا الصفات بلا تمثيل، ونزهوا الله سبحانه بلا تعطيل لصفاته، وحملوا الآيات والأحاديث على ظاهرها ولكن بلا كيف ولا مشابهة بينها وبين صفات المخلوقات، وهو المذهب الحق الذي عليه إجماع التابعين والأئمة في أسمائه وصفاته سبحانه، نثبت ظاهرها بلا كيف ولا مشابهة إذ أن الخالق سبحانه ليس كمثله شيء، وليس فيه شيء يشتبه بما في المخلوق لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١] وإنما قد خالطت أذهان هؤلاء المعطلة المؤولة أنجاس التشبيه، فحاولوا صرفها بكل وسيلة فلجئوا إلى التأويل هروبا مما اعتقدوه تشبيها فوقعوا في ما هو أشد منه وأنكى!

وعلى ذلك كان اعتقاد مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل والأوزاعي والثوري والحسن وجماهير العلماء، كما سبق أن أشرنا.

قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: ٨٨] وقال تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح: ١٠] وقال تعالى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ [هود: ٣٧]. وأخرج مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار حتى تطلع الشمس من مغربها)) (١).وروى مسلم عن أبي موسى قال: ((قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال: إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه – زاد عبد الله – كل شيء أدركه بصره)) (٢).وروى البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار)) (٣).وروى البخاري: عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يلقى في النار وتقول هل من مزيد حتى يضع عز وجل رجله – أو قدمه – فيها فتقول قط قط)) (٤).قال الأشعري:: قال أصحاب الحديث: لسنا نقول في ذلك إلا ما قاله الله عز وجل أو جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول وجه بلا كيف ويدان وعينان بلا كيف" (٥).ونقل الحافظ اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال: "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه" (٦).

المصدر:المعتزلة بين القديم والحديث لمحمد العبده وطارق عبد الحليم – ص ٩١


(١) رواه مسلم (٢٧٥٩) , من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
(٢) رواه مسلم (١٧٩) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٧٤١٩) , ومسلم (٩٩٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه البخاري (٤٨٤٨) , ومسلم (٢٨٤٨).
(٥) ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (٢١٧).
(٦) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) لللالكائي (٣/ ٤٣٢)، وكذلك ((الفتاوى)) لابن تيمية (٣/ ٢) وبعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>