للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ما فائدة أن يخبرنا الله بعلم الملائكة بأن هؤلاء من أهل الذم؟ ونحن نعلم من القرآن والسنة أن الكفار من أهل الذم، فعلم الملائكة بذلك من باب أولى؛ لأنهم هم الذين يكتبون أعمالهم، قال ابن القيم: "وأنه لا يقال في لغة من لغات الأمم لمن أخبر عن غيره بأنه مطبوع على قلبه، وأن عليه ختماً أنه قد طبع على قلبه، وختم عليه، هذا كذب على اللغات وعلى القرآن" (١).هذه نماذج قليلة بالنسبة لما عند المعتزلة من تحريف وتأويل فاسد لنصوص الصفات والقدر، ونكتفي بها؛ لأن المقصود ذكر منهجهم وضرب الأمثلة على تطبيقاتهم، وقبل إقفال هذا المبحث لابد من التنبيه على أن هؤلاء المعتزلة لا يقولون بمجرد حرية الاختيار والفعل، بل يعترفون بأنهم خالقون لأفعالهم، وليس هذا تقولا من أهل السنة كما يزعم البعض، وقد يأخذك الفزع عندما تقف على قول القاضي عبدالجبار في قوله تعالى: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون: ١٤] أنه "يدل على أن غير الله يصح منه الفعل والخلق." (٢) وهذا بطلانه واضح، قال الراغب: "وليس الخلق الذي هو الإبداع إلا الله تعالى، ولهذا قال في الفصل بينه وبينه غيره: أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النحل: ١٧] وأما الذي كون بالاستحالة فقد جعله الله تعالى لغيره في بعض الأحوال كعيسى حيث قال: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي [المائدة: ١١٠] والخلق لا يستعمل في كافة الناس إلا على وجهين: أحدهما: في معنى التقدير، كقول الشاعر:

فلأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ض القوم يخلق ثم لا يفري

والثاني: في الكذب، نحو قوله: وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا [العنكبوت: ١٧] إن قيل: قوله تعالى: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون: ١٤] يدل على أنه يصح أن يوصف غيره بالخلق، قيل: إن ذلك معناه: أحسن المقدرين، أو يكون على تقدير ما كانوا يعتقدون ويزعمون أن غير الله يبدع، فكأنه قيل: فاحسب أن ههنا مبدعين وموجدين فالله أحسنهم إيجاداً على ما يعتقدون" (٣).وقال الآلوسي: "ولا يصح تفسيره بالإيجاد عندنا إذ لا خالق بذلك المعنى غيره تعالى إلا أن يكون على الفرض والتقدير، والمعتزلة يفسرونه بذلك لقولهم بأن العبد خالق لأفعاله وموجد لها استقلال، فالخالق الموجد متعدد عندهم" (٤).

وبهذا تعلم أن الخلق في اللغة له ثلاثة معان: ١ - الإبداع والإيجاد الخاص بالله تعالى. ٢ - التقدير والصنع الذي يكون بتركيب المواد، ٣ - الخلق بمعنى الكذب، وأن المعنى يتحدد بحسب من يضاف إليه الخلق، وبحسب السياق والقرائن.

المصدر:جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية لمحمد أحمد لوح - ص ٢٢٢


(١) ((شفاء العليل)) (ص ١٩١).
(٢) ((متشابه القرآن)) (٢/ ٥١٥).
(٣) ((المفردات في غريب القرآن)) (ص ١٥٧)، والبيت المذكور في النص لزهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان.
(٤) ((روح المعاني)) (١٨/ ١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>