للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدم الرواية عن عمرو، وتحقيره: وقد يتبادر إلى الذهن إشكال؛ وهو أن عمرو بن عبيد له روايات في كتب السنن، وقد أحصى هذه الروايات ابن عدي "ت ٣٦٥ هـ" في كتابه (الكامل في ضعفاء الرجال)، فما السبب في الرواية عنه، مع أنه جرح أشد التجريح؟ وقد أجاب علماء السلف عن هذا الإشكال؛ فمنهم من يرى أنه قد أخذ عنه قبل إحداثه، وابتداعه؛ فقد روى البسوي "ت ٢٧٧ هـ" عن سفيان بن عيينة "ت ١٩٨ هـ"، قال: "حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى العنبري عن عمرو بن عبيد قبل أن يحدث" (١)؛ فهذا النص شاهد أنهم قد حددوا الأخذ عنه، قبل الإحداث، وروى العقيلي أن عبدالله بن المبارك "ت ١٨١ هـ" قيل له: "تركت عمرو بن عبيد، وتحدث عن هشام الدستوائي "ت ١٥٤ هـ"، وسعيد، وفلان، وهم كانوا في عداده "أي قدرية قال: إن عمراً كان يدعو" (٢)، وفي رواية: قال: "وكانا ساكتين" (٣).وقال ابن المبارك: "كان عمرو بن عبيد يدعو إلى القدر، فتركوه" (٤)، وقد كانت هذه المقاطعة مبكرة في حياة الحسن البصري – رحمه الله -؛ فعن يحيى البكاء "ت ١٣ هـ" قال: كانت رقاع تجيء إلى الحسن، فإذا علم أنها من قبل عمرو بن عبيد لم يجب فيها" (٥).ويعقب ابن عدي "ت ٣٦٥ هـ" – رحمه الله – بعد أن ساق الروايات التي رواها عمرو بن عبيد؛ فقال: "وعمرو بن عبيد قد كفانا السلف مئونته؛ حيث يبنوا ضعفه في رواياته، وبينوا بدعته، ودعاءه إليها، ويغر الناس بنسكه، وللسلف فيمن ينسب إلى الصلاح كلام كثير، حتى قال يحيى القطان: ما رأيت قوما أصرح بالكذب من قوم ينسبون إلى الخير، وكان يغر الناس بنسكه، وتقشفه، وهو مذموم، ضعيف الحديث جدا، معلن بالبدع، وقد كفانا ما قال فيه الناس" (٦).وكان السلف ينهون عن الأخذ عنه، وينسبونه للكذب؛ فقد قال أيوب السختياني "ت ١٣١ هـ"، ويونس بن عبيد "ت ١٣٩ هـ": "كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث" (٧)، وكان حميد يقول لحماد بن سلمة: "لا تأخذن عن هذا شيئا؛ فإنه يكذب على الحسن؛ يعني عمرو بن عبيد" (٨)، ولأنه كان يدعو للقدر، والاعتزال، كانوا لا يأخذون عنه – أيضا -، ولما سئل يحيى بن معين عن عمرو بن عبيد، فقال: "لا تكتب حديثه، فقال له: كان يكذب؟ فقال: كان داعية إلى دينه، فقلت له: فلم وثقت قتادة "ت ١١٧هـ"، وسعيد بن أبي عروبة "ت ١٥٠ هـ"، وسلام بن مسكين "ت ١٦٤ هـ"؟ فقال: كانوا يصدقون في حديثهم، ولم يكونوا يدعون إلى بدعة" (٩).وكان يلبس في الرواية؛ ليفهم منه خلاف ما يقول؛ فعن سفيان بن عيينة قال: "سئل عمرو بن عبيد عن مسألة، فأجاب فيها، وقال: هذا من رأي الحسن، فقال له رجل: إنهم يروون عن الحسن خلاف هذا، فقال: إنما قلت: هذا من رأيي الحسن؛ يريد نفسه" (١٠).


(١) الفسوي، ((المعرفة والتاريخ)) (٢/ ٢٥٩).
(٢) ((الضعفاء الكبير)) (٣/ ٢٧٧).
(٣) الذهبي، ((تاريخ الإسلام)) (٦/ ٢٤١).
(٤) الذهبي، ((تاريخ الإسلام)) (٦/ ٢٣٨).
(٥) ((الكامل في الضعفاء)) (٥/ ١٧٥٠).
(٦) ((الكامل في ضعفاء الرجال)) (٥/ ١٧٦٣).
(٧) ابن حبان، ((المجروحين)) (٢/ ٧٠).
(٨) العقيلي، ((الضعفاء)) (٣/ ٢٧٩ – ٢٨٨).
(٩) العقيلي، ((الضعفاء)) (٣/ ٢٧٩ – ٢٨٨).
(١٠) ابن عدي، ((الكامل)) (٥/ ١٧٥٠)، وانظر ((الجرح والتعديل)) (٦/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>