للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكشف عن ابتداع المعتزلة، والتحذير منهم: لم يكن المعتزلة، وغيرهم من أهل البدع، يجرءون على القول بآرائهم صراحة، وإنما كانوا يتبعون أسلوب التلبيس الغامض على الناس، وقد لا يستطيع أي أحد أن يكشف هذا التلبيس، إلا إذا سأل العلماء؛ فقد روى العقيلي عن حماد بن زيد "ت ١٧٩ هـ"، قال: قال أيوب "١٣١ هـ": "سألت البري، فقلت: لم تأتي عمرو بن عبيد؟ قال: إني أجد عنده أشياء غامضة، قال أيوب: من الغامض أفرق" (١)، أو "أفر" (٢).وفي رواية عن حماد بن زيد قال: "كان رجل من أصحابنا يختلف إلى أيوب، ثم انقطع عنه، واختلف إلى عمرو بن عبيد، فجاء إلى أيوب يوماً، فقال له: بلغني أنك تختلف إلى ذلك الرجل، قال: نعم، يا أبا بكر، عنده غرائب، قال: من تلك الغرائب نفر" (٣).

ونريد أن نتساءل: ما تلك الغرائب؟ هل هي مواعظ مغلفه بعقائد فاسدة عن القدر، والأسماء، والصفات، أم هي أقاصيص، وأفكار غريبة لم يتبين معناها؛ لا هي بدعة، ولا سنة؟ إن هذه الغرائب التي استهوت بعض طلبة العلم، ووقف منها علماء السلف موقف التحذير، والتخويف، ما هي إلا محاولة لجذب انتباه الناس إلى عمرو، وواصل، فيما يحاولونه لنشر بدعهم الاعتزالية، التي كانت في مرحلة التأسيس، ولم يعلن القوم عنها بعد. ومما يدلل على غموض بدعة المعتزلة في بدايتها، واعتبار بعض العلماء عمرو بن عبيد من العلماء الذين لا يجوز الوقوع بهم، ما رواه العقيلي "ت ٣٢٢ هـ"، وغيره، عن عاصم الأحول "ت ١٤٢ هـ"، قال: "كان قتادة "ت ١١٧ هـ" يذكر عمرو بن عبيد، ويقع فيه، قال: فجثوت على ركبتي، فقلت: يا أبا الخطاب، وإذا الفقهاء يقع بعضهم في بعض! فقال: يا أحول، رجل ابتدع بدعة، فتذكر بدعته خير من أن نكف عنها، قال: فرأيت عمرو بن عبيد في المنام، وهو معلق المصحف، يحك آية من القرآن، قلت: ما تصنع؟ قال: إني أعيدها، قال: فحكها، قلت: أعدها! قال: لا أستطيع" (٤).وفي رواية: قال: "يا أحول، أولا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة، فينبغي لها أن تذكر حتى تحذر؟ " (٥).

فهل خفي أمر عمرو بن عبيد على عاصم هذا، وغيره من العلماء، حتى عده من الفقهاء؛ ولذلك سأل قتادة هذا السؤال، وقام قتادة بوضع أساس هام من أسس التعامل مع كل مبتدع في دين الله، بذكرهم، والتحذير منهم، ومن بدعهم، والتشهير بهم بين الناس؛ حتى لا يلبسوا على الناس بظاهر الزهد، والتقشف.


(١) العقيلي، ((الضعفاء الكبير)) (٣/ ٢٧٨)، والخطيب، ((تاريخ بغداد)) (١٢/ ١٧٥).
(٢) العقيلي، ((الضعفاء الكبير)) (٣/ ٢٧٨)، والخطيب، ((تاريخ بغداد)) (١٢/ ١٧٥).
(٣) العقيلي، ((الضعفاء)) (٣/ ٢٧٨).
(٤) العقيلي، ((الضعفاء))، (٣/ ٢٨٠).
(٥) ((تاريخ بغداد))، (١٢/ ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>