للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهي عن مجالسته والسلام عليه: فعن النضر بن شميل "ت ٢٠٣ هـ": "مر ابن عون على عمرو بن عبيد، ورجل جالس معه، فعرفه ابن عون، وقال: السلام عليك يا فلان، ما يجلسك هاهنا؟ " (١)، وعن حماد بن زيد قال: "قال أيوب: كنت أرى ابن هارون له عقل، حتى رأيته "يعني هارون بن دياب"، واقفا مع عمرو بن عبيد" (٢)، وعن إسماعيل بن إبراهيم قال: "جاءني عبدالعزيز الدباغ، فقال: قد أنكرت وجه ابن عون، فلا أدري ما شأنه؟ قال: فذهبت معه إلى ابن عون، فقلت: يا أبا عون، ما شأن عبدالعزيز؟ فقال: أخبرني قتيبة صاحب الحرير أنه رآه يمشي مع عمرو بن عبيد في السوق، قال: فقال له عبدالعزيز: إنما سألته عن شيء، ووالله، ما أحب رأيه، قال: وتسأل – أيضاً؟ " (٣)، وعن عيسى بن يونس "ت ١٨٩ هـ"، قال: "سلم عمرو بن عبيد على ابن عون فلم يرد عليه، وجلس إليه فقام عنه" (٤).وقد كان السلف يرون أن بعض الكبائر أهون عند الله من انحراف المعتقد، والابتداع في الدين؛ فقد روى العقيلي عن حرب بن ميمون، عن حويل ختن شعبة، قال: "كنت جالسا عند يونس بن عبيد، فجاء رجل فقال: يا أبا عبدالله، تنهانا عن مجالسة عمرو بن عبيد، وقد دخل عليه ابنك قبيل؟ قال: ابني؟ قال: نعم، فلم أبرح حتى جالسه، فقال: يا بني، ألم تعرف رأيي في عمرو بن عبيد، ثم تدخل عليه؟ قال: كان عنده فلان، قال: فجعل يعتذر، فقال يونس: أنهاك عن الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ولأن تلقى الله بهن أحب إلي من أن تلقاه برأي عمرو، وأصحاب عمرو" (٥).وكان عمرو متهماً بالرياء في عباداته، وصلاته؛ فقد روى العقيلي عن نوح بن قيس "ت ١٨٤هـ"، قال: "كان بين عمرو بن عبيد، وبين أخي خالد بن قيس إخاء، فكان يزورنا، فكان إذا صلى في المسجد يقوم كأنه عود، قال: فقلت لخالد: أما ترى عمرا ما أخشعه، وأعبده! فقال: ما تراه إذا صلى في البيت كيف يصلي؟ قال: فنظرت إليه إذا صلى في البيت، يلتفت يميناً، وشمالاً" (٦).

مجادلته ونسبة عدم فهمه إلى عجمته وجهله:

إن عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، أخضعهم علماء السلف لمنهج الهجر، والتحقير، والإهانة، ولم يجادلوهم؛ فقد جادل السلف أسلافهم القدرية، وعلموا أن أتباعهم لا يفيد معهم جدال، ولا تستقيم لهم عقيدة، بعدما أوغلوا في هذا الانحراف، ولكن روي أن بعض السلف جادل عمرا في أحكام الوعد، والوعيد؛ فقد روى ابن قتيبة قال: اجتمع أبو عمرو بن العلاء، وعمرو بن عبيد، فقال عمرو: إن الله وعد وعدا، وأوعد إيعاداً، وإنه منجز وعده، ووعيده، فقال له أبو عمرو: أنت أعجم، ولا أقول إنك أعجم اللسان، ولكنك أعجم القلب؛ إن العرب تعد إنجاز الوعد مكرمة، وترك إيقاع الوعيد مكرمة، ثم أنشده:

وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي (٧)

وفي رواية للخطيب البغدادي "ت ٤٦٣ هـ" قال: "جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء، فقال: يا أبا عمرو، يخلف الله وعده؟ قال: لا، قال: أفرأيت إن أوعده على عمل عقاباً، يخلف وعده؟ فقال أبو عمرو: من العجمة أتيت، يا أبا عثمان، إن الوعد غير الوعيد؛ إن العرب لا تعد خلفاً، ولا عاراً، أن تعد شراً ولا تفعله، ترى ذاك كرما، وفضلاً، إنما الخلف أن تعد خيراً ثم لا تفعله، قال: فأوجدني هذا في كلام العرب، قال: أما سمعت إلى قول الأول:

ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ... ولا أخشى من خشية المتهدد

وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي (٨)


(١) العقيلي، ((الضعفاء)) (٣/ ٢٨٥).
(٢) العقيلي، ((الضعفاء)) (٣/ ٢٨٥).
(٣) ((الكامل)) (٥/ ١٧٥٨).
(٤) ((المجروحين)) (٢/ ٧٠).
(٥) ((الضعفاء)) (٣/ ٢٨٥).
(٦) ((الضعفاء)) (٣/ ٢٨٦).
(٧) ابن قتيبة، ((عيون الأخبار)) (٢/ ١٤٢).
(٨) ((تاريخ بغداد)) (١٢/ ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>