للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم تتابعت الكتابات الهدامة المستترة تحت ستار الاعتزال والتحرر والعقلانية تنخر في جسد الأمة المسلمة بعد أن سقطت الخلافة – التي كانت آخر درع يتقي به كيد المفسدين- فظهرت كتابات طه حسين عن الشعر الجاهلي ثم عن مستقبل الثقافة في مصر وضرورة نبذ التقاليد الشرقية جملة وتفصيلا. كذلك كتابات قاسم أمين عن تحرير المرأة، وقد تمحك هؤلاء بلفظ الحرية ودعوى العقلانية والتقدم، وامتدحوا الاعتزال والمعتزلة واعتبروهم الأجدر بالاتباع في "تراثنا الإسلامي"!.تساءل أحمد أمين في كتابه (ضحى الإسلام): "والآن يحق لنا أن نتساءل: هل كان في مصلحة المسلمين موت الاعتزال وانتصار المحدثين؟ " (١). ثم أعلن أنه ليس في صالحهم القضاء على الاعتزال، بل كان من الواجب على المعتزلة والمحدثين أن يستمرا كحزبين أحدهما تقدمي والآخر محافظ! ليستفيد المسلمون من كليهما! (٢) وما أبعد هذا الفكر عن الفهم الإسلامي المستوحى من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تقرر أن هناك طائفة واحدة منصورة ظاهرة على الحق وأنها وحدها الناجية دون سائر الفرق الاثنتين والسبعين!.ويعلن أحمد أمين في صراحة: " في رأيي أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة" (٣).

ولم يكن هذا الرأي، الذي عبر عنه أحمد أمين، بشأن دور الاعتزال وأهميته وضرورة تبني المسلمين له في طرق البحث ومنهاجه، رأيا ارتآه وحده بل عرف عند كثير من غيره من الكتاب الذين لمعت أسماؤهم في هذه الحقبة الأخيرة من الزمان. فهذا كاتب آخر وهو زكي نجيب محمود – الذي تبنى الوضعية المنطقية كنظرية يدين بها – بزعم أنه إن كان لنا أن نحيي جزءا من تراثنا الإسلامي فليكن هو الاعتزال. يقول في (تجديد الفكر العربي): "يبدو لكاتب هذه الصفحات أن أهم جماعة يمكن لعصرنا أن يرثها في وجهة نظرها. . أعني أن يرثها في طريقتها ومنهاجها عند النظر إلى الأمور هي جماعة المعتزلة التي جعلت العقل مبدأها الأساسي كلما أشكل أمر" (٤).ويؤكد ذلك بعد صفحات فيقول: "فما زلت أرى أنه لو أراد أبناء عصرنا أن يجدوا عند الأقدمين خيطا فكريا ليتمسكوا بطرفه فيكونوا على صلة موصولة بشيء من تراثهم، فذلك هو الوقفة المعتزلية من المشكلات القائمة" (٥).


(١) ((ضحى الإسلام)) (٣/ ٢٠٢).
(٢) ((ضحى الإسلام)) (٣/ ٢٠٣).
(٣) ((ضحى الإسلام)) (٣/ ٢٠٧).
(٤) ((تجديد الفكر العربي)) (١١٧).
(٥) ((تجديد الفكر العربي)) (١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>