وهذا المسكين قد وقع في خطأ كان لابد له من الوقوع فيه نظرا لانشغاله طوال حياته بالفكر الغربي دراسة وتحليلا وتسلية كما عبر بنفسه في مقدمة كتابه المذكور إلا سنوات قليلة أخذ "يعب فيها التراث عبا" على عجل بنظر المستشرقين لا بنظر المؤمن، هذا الخطأ هو اعتقاد أن أهل السنة والجماعة كانوا يقفون بالمرصاد لمحاولات إعمال العقل في مجال الطبيعة والحياة بحرية وانطلاق، وهو أمر ما كان في يوم من الأيام، وإنما يشهد التاريخ أن الصراع بين أهل السنة وبين غيرهم من الفرق الضالة كان بسبب إدخال العقل في مجال الغيب أولا، ومحاولة تحكيمه في نصوص الشارع الثابتة التي توجه الحياة البشرية بكليات وقواعد قد رضيها الله سبحانه لخلقه – وهو أعلم بهم – ثانيا، أما في مجال العلوم الطبيعية والتجريبية فعلى أمثال هؤلاء المفسدين إبراز دليل واحد يستدلون به على وقوف أهل السنة والجماعة في وجه تلك العلوم أو عدم إعمال العقل فيها، وحتى مهاجمة أهل السنة للفلاسفة إنما كانت في الجانب الميتافيزيقي الذي خاضوا فيه غمار العلوم الإلهية بعقولهم القاصرة فخرجوا إلى الكفر البواح كما فعل ابن سينا والفارابي، بينما لم ينكر أحد على ابن سينا وضعه لكتاب (القانون) في الطب مثلا، وإنما ادعاءات هؤلاء كلها محض باطل وتجن وهوى، ولما كان الإسلام يعالج في مبادئه وأساسياته قواعد اجتماعية وتشريعات دولية وسياسية واقتصادية تصادمت في كثير منها مع تلك الاتجاهات الهدامة، كان لهم في المواقف الاعتزالية التي قدمت العقل فيما لا يمكن الحكم فيه خير سند في دعواهم للقضاء على الشريعة الإسلامية والنهج الرباني.
وقد تناثرت تلك الدعاوى عن المعتزلة في العديد من أعمال بعض الباحثين المحدثين، كما ذكرنا، فمدحوا الاعتزال وتابعوا المستشرقين ونقلوا عنهم ما أوردوه في تحسينه وتزيينه.