للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول عرفان عبد الحميد في كتابه (دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية) تحت عنوان أهمية المعتزلة في الفكر الإسلامي: "المعتزلة أول مدرسة كلامية ظهرت في الإسلام وكان لها دور كبير في تطوير الفكر الديني والفلسفي فيه، فهي التي أوجدت الأصول العقلية للعقيدة الإسلامية!! وجعلت للنزعة العقلية في الفكر الإسلامي مكانة مرموقة، ورفعت من شأن العقل وأحكامه وقدرته في الوصول إلى الحقيقة" (١)، ولا نحتاج إلى التعليق، حيث سبق أن بينا موقف أهل السنة من "العقل" ومجالاته، وبينا المجال الذي عملت فيه النزعة العقلية في الإلهيات فأنتجت ذلك الضلال والانحراف. ولكن أنى لمثل هذا الباحث أن يتفهم موقف الإسلام في مثل تلك الأمور وهو ينقل عن المستشرقين نص كلامهم مرتئيا له وموافقا عليه، فيقول: "والمعتزلة تمثل أول محاولة في الفكر الإسلامي تعرضت لمسألة الصلة بين الحقائق الدينية وأحكام العقل وذلك (بقوة فكرية عجيبة وثبات عظيم وحاولت حلها بطريقة مبتكرة) " وما بين القوسين منقول عن سوزانا فلزر في مقدمة كتاب (المعتزلة) وواضح تبنيه لهذا الرأي الاستشراقي! فالله الله في المسلمين وعقائدهم أيها الباحثون المجددون. ويقول عبد الستار الراوي في مقدمة كتابه (فلسفة العقل) عن الحركة الاعتزالية: "حركة ثقافية تتخطى المذهبيات المغلقة، تنتهج في جدلياتها الكلامية "الحرية" (٢) وأنها "تقيم الأدلة المنطقية على عقم الاتجاهات السلفية ومواقفها الوثوقية! " (٣).ومعنى قوله "مواقف السلف الوثوقية" هو وثوق أهل السنة وأتباع السلف بقيمة النص إزاء العقل ووثوقهم من مقررات النصوص الثابتة القطعية. ثم يقول في بيان شرحه لموقف الإمام أحمد إزاء محاوريه من المعتزلة إبان المحنة وتمسكه بالنصوص الثابتة: "ولما حاصرته براهين المعتزلة العقلية أقر بعجز عقله غير المدرب عن رد جدلياتهم الكلامية في مسألة الصفات يقول: لا أدري. هو (الله) كما وصف نفسه لا أزيد عن ذلك شيئا!! " (٤).

ولله درك يا إمام، فقد ضاق عقل شانئيك بعد اثني عشر قرنا من أن يفهموا معنى موقفك، وحقيقته الذي حافظت به على قيمة النص الشرعي وأوقفت محاولات التلاعب بدين الله.

ولو ذهبنا نتتبع هذا التيار الذي انتشر في الكتابات الحديثة لطال الحديث ولكننا نكتفي بما ذكرنا ليكون دليلا وشاهدا على صحة ما ذهبنا إليه من محاولة الفكر الاعتزالي العودة إلى السطح – من خلال مفاهيم التحرر والتقدم والعقلانية – محمولا على أقلام بعيدة كل البعد عن منهج الإسلام الصافي الأصيل.


(١) ((دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية)) (١٢٥).
(٢) ((فلسفة العقل للراوي)) (٥).
(٣) ((فلسفة العقل للراوي)) (٥).
(٤) ((فلسفة العقل للراوي)) (٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>