للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدعو للأسف أن هذا الاتجاه – بشكل أقل حدة – قد تعدى إلى بعض الفضلاء ممن ينتمون للحركة الإسلامية في عصرنا، فالدكتور عدنان زرزور يقدم رسالته عن الحاكم الجشمي ومنهجه في التفسير وينقل ثناء الشيخ محمد أبو زهرة على المعتزلة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية) مؤيدا هذا الثناء فيقول: "قال – أي أبو زهرة – حفظه الله: أولا: إن هؤلاء – أي المعتزلة – يعدون فلاسفة الإسلام حقا لأنهم درسوا العقائد الإسلامية دراسة عقلية مقيدين أنفسهم بالحقائق الإسلامية غير منطلقين في غير ظلها، فهم يفهمون نصوص القرآن فهما فلسفيا، ويغوصون في فهم الحقائق التي تدل عليها غير خالعين للشريعة ولا متحللين من النصوص"! (١).كما إنه يدعو "للإفادة من منهج المعتزلة العقلي – ومن سائر المناهج الكلامية الأخرى - في الدفاع عن الإسلام وشرح حقائقه أمام مناوئيه ومخالفيه من أتباعه والغرباء عنه على حد سواء"!! (٢) فهل يا ترى في منهج المتكلمين وطريقة المعتزلة ما يدفع به عن الإسلام بحق؟! ثم يدعي الدكتور عدنان دعوى عريضة خالف فيها منطوق ومفهوم نصوص ثابتة صريحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كحديث الفرق الثلاثة والسبعين وحديث الفرقة المنصورة الذي رواه مسلم فقال: "وليس في تاريخ الإسلام فرقة واحدة تستطيع أن تزعم لنفسها فهم العقيدة الإسلامية على الوجه الأكمل حتى يكون كل من خالفها في شيء ضالا مبتدعا أو من أهل الزيغ والأهواء! ولا تخلو فرقة واحدة من الغلو في جانب والتفريط في جانب آخر، وليست مهمتنا الانتصار لفرقة على أخرى أو تعميق الخلاف بين هذه الفرق"! (٣).والعجب العجب مما قاله! فقد اشتملت هذه الفقرة وحدها على ثلاثة أخطاء مركبة أولها: قوله: أنه لا توجد فرقة واحدة فهمت العقيدة الإسلامية على الوجه الأكمل! فأين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق)) رواه مسلم (٤)، وأين قوله صلى الله عليه وسلم: ((ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة إحداها الناجية)) رواه الترمذي (٥)، وأين فرقة أهل السنة والجماعة التي من زعمائها أئمة الإسلام مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة وابن تيمية وابن القيم وابن كثير ومحمد بن عبد الوهاب. . وغيرهم كثير كثير ممن اتفقت عقائدهم وإن اختلفوا في بعض الفروع!؟ وهل للعقيدة الإسلامية بهذا القدر من الصعوبة ليتعذر فهمها على أي طائفة طوال هذه القرون؟!.

أوليس معنى ما تقدم من أنه "حتى يكون من خالفها في شيء ضالا ومبتدعا أو من أهل الزيغ والأهواء" إنكارا صريحا لوجود أهل الأهواء ابتداء إذ أين نذهب بأقوال أئمة الإسلام التي تحذر من اتباع أهل الأهواء والبدع؟ وكفانا في ذلك مراجعة ما أورده الشاطبي في الاعتصام الجزء الأول عن أهل الأهواء والتحذير منهم وكلام أئمة السنة فيهم. . ونترك للقارئ المسلم الحكم على صحة أقواله وتقييمها من خلال ما طالع في ثنايا بحثنا.


(١) ((عدنان زرزور، الحاكم الجشمي)) (٢١).
(٢) ((عدنان زرزور، الحاكم الجشمي)) (١٨).
(٣) ((عدنان زرزور، الحاكم الجشمي)) (١٨).
(٤) رواه مسلم (١٩٢٠).
(٥) رواه الترمذي (٢٦٤٠) دون لفظة: (إحداها الناجية).

<<  <  ج: ص:  >  >>