للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبرمه من عداوة أهل السنة لعمرو بن عبيد: بعد أن ذكر العديد من المناقب والمزايا التي زعمها لعمرو تحت عنوان "صفاته" عقد الغرابي عنواناً نصه: "عداوة أهل السنة له"ومما قال فيه: "إنه رغم هذه الصفات التي ذكرناها والتي هي بعض صفات عمرو فإننا نجد أهل السنة قد أكثروا من ذم عمرو، وناصبوه العداء، وكانوا يحضون الناس على مقاطعته" (١) لما وصف عمراً بقوله: "كان يميل إلى التحرر من كل شيء ... يحب التحرر من النصوص إذا وجد منفذاً ينفذ منه إلى العقل، لا يتورع عن أن يخطئ صحابياً، أو ينتقد آخر ويرد روايته، وهذا مما جعله هدفاً لنقد المحدثين وتحاملهم عليه" (٢) هل هذا هو التحامل علماً بأن معناه: "الجور وعدم العدل" (٣).واصل بن عطاء عنده إنسان كامل: قال: "وعلى كل حال إذا فتشنا في جميع نواحي الرجل وجدناه قد بلغ فيها ذروة الكمال" (٤) هكذا في جميع النواحي! ومما يؤكد ذلك كله وصفه أهل السنة بالإرجاء، فقال عن مرتكب الكبيرة: "والمرجئة تسميه مؤمناً فاسقاً" وقال أيضاً: "وقالت المرجئة: هو مع فسقه وفجوره مؤمن" (٥) ويؤكده قوله – بعد أن ساق أقوال المعتزلة مسانداً لها-:"هذا بعض ما أجمعت عليه المعتزلة ذكرنا بعضه لبعض علمائهم، وذكرنا طرفاً منه لعالم أشعري لنبين الفرق بين ما يكتبه معتزلي عن معتزلي، وأشعري عن معتزلي حتى نأخذ أقوال هؤلاء المؤرخين للفرق بحرص واحتياط، وحتى لا نقع فيما وقعوا فيه، ونخدع بما خدعوا به" (٦).

وهذا الذي قاله تلبيس، أما أولاً: فإنه لم يذكر فيما ساقه غير الدفاع العاطفي المجرد عن الاستدلال، وأما ثانياً: فليس اعتماد أهل السنة في نقدهم المعتزلة على ما ينقله المؤرخون، بل ردوا عليهم وهم حاضرون، وردوا عليهم من خلال كتبهم، ومقالاتهم التي نشروها؛ لأنها موجودة، فليس هناك خادع ولا مخدوع إلا من انتصر للبدعة، ودافع عن الباطل، وهل يبقى بعد هذا كله من يشكك في وجود المعتزلة بكل أصولها بين أظهرنا، أو أن الحق قد انبلج، وطلعت شمسه لذي عينين؟

المصدر:جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية لمحمد أحمد لوح - ص ٢٣٧

يحاول بعض الكتاب والمفكرين في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفى عليه الزمن أو كاد .. فألبسوه ثوباً جديداً، وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي.

- وقد قوّى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادي، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وفق العقل الإنساني .. فلجأوا إلى التأويل كما لجأت المعتزلة من قبل ثم أخذوا يتلمسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصورهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات المادية .. وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل .. إلا من هذا القبيل.

- وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر.


(١) الغرابي: ((تاريخ الفرق الإسلامية)) (ص ١٠٨).
(٢) ((تاريخ الفرق الإسلامية)) (ص ١١٩ - ١٢٠).
(٣) ((المعجم الوسيط)) (١/ ١٩٩).
(٤) ((تاريخ الفرق الإسلامية)) (ص ١٠٣).
(٥) ((تاريخ الفرق الإسلامية)) (ص ٨٦، ٨٩).
(٦) ((تاريخ الفرق الإسلامية)) (ص٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>