للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في إيران: لما وصل إلى إيران عاد الناس إلى الاجتماع به وتلقي مبادئه وأفكاره وعهد إليه الشاه أن يسن ما يراه موافقاً لروح العصر من القوانين فلما أطلع عليها الشاه بعد ذلك رأى أن حكمه سيكون مقيداً (١) فعاودته الشكوك والظنون في جمال الدين الذي شعر بهذا فاستأذن بالذهاب إلى شاه عبدالعظيم قرب طهران فأذن له فتبعه جم غفير من العلماء والوجهاء فخاف الشاه عاقبة ذلك فنافه إلى خارج الحدود إلى البصرة سنة ١٣٠٨هـ - ١٨٩١م.

في البصرة:

أقام فيها سبعة أشهر والى الكتابة فيها إلى أنصاره في فارس وآثار فيهم الحمية لخلع الشاه ناصر الدين غادر بعدها البصرة إلى لندره "لندن" سنة ١٣٠٩هـ - ١٨٩٢م.

في لندن:

أقام فيها ثمانية أشهر موجهاً همته إلى محاربة الشاه ناصر الدين. وكان من المؤسسين لمجلة (ضياء الخافقين) وسلمه سفير تركيا في لوندرا كتابا من السلطان عبدالحميد يدعوه إلى الآستانة فسافر إليها سنة ١٣١٠هـ - ١٨٩٢م.

إلى الآستانة:

وكانت المحطة الأخيرة في رحلاته هي الآستانة ولقي فيها كل ترحيب وتكريم إلا أنه منع من مغادرتها وأجرى له فيها السلطان راتباً شهرياً إلى أن توفي سنة ١٣١٤هـ-١٨٩٧م.

نشاطه العلمي:

يعد من المميزات للسيد جمال الدين الأفغاني أنه أحدث نهضتين اجتماعيتين: نهضة اجتماعية علمية ونهضة سياسية (٢). وكان الغالب على نشاطه الثانية منهما ولم يقم أحد من تلاميذه من بعده بالأمرين. بل انشطروا إلى شطرين ذهبت طائفة إلى الأخذ بالنهضة العلمية ويقف على قمة هذا الفريق الإمام محمد عبده. وذهبت طائفة أخرى إلى الأخذ بأرائه السياسة وعلى رأسهم مصطفى كامل وفريد ثم سعد زغلول (٣) وغيرهم. وبدأ السيد نشاطه العلمي في أفغانستان وواصل دراسته في الهند. هذا من ناحية التلقي أما من ناحية التعليم فقد بدأ أول ما بدأ في الهند عند خروجه في المرة الثانية حيث ألقى بعض الدروس ولم تكن تلك الفترة من الكفاية بحيث يظهر أثرها واضحا إذ لم يلبث سوى شهر واحد غادر بعدها إلى مصر حيث وفد عليه بعض طلبة العلم في الأزهر من السوريين فشرح لهم كتاب (الإظهار) وهو كتاب في النحو وكانت تلك الفترة كسابقتها حيث غادر إلى الآستانة ثم عاد إلى مصر مرة ثانية حيث ازداد نشاطه العلمي وبلغ أوجه فبدأ التدريس في الأزهر وقد كان يلقي فيه من الدروس ما أحفظ عليه بعض علماء الأزهر فناظره أحدهم مناظرة أفضت إلى المنافرة فترك الأزهر وانقطع للتدريس في منزله (٤) فقرأ من الكتب العالية في فنون الكلام الأعلى والحكمة النظرية طبيعية وعقلية وفي علم الهيئة الفلكية وعلم التصوف وعلم أصول الفقه الإسلامي (٥) وقد وصف الإمام محمد عبده منزلة جمال الدين من العلم فقال:

"أما منزلته من العلم وغزارة المعارف فليس يحدها قلمي إلا بنوع من الإشارة إليها لهذا الرجل سلطة على دقائق المعاني وتحديها وإبرازها في صورها اللائقة بها كأن كل معنى قد خلق له وله قوة في حل ما يعضل منها كأنه سلطان شديد البطش فنظرة منه تفكك عقدها ... " ثم يقول:-"وله لسان في الجدل وحذق في صناعة الحجة لا يلحقه فيها أحد" (٦).

ثم سافر بعد مصر على الهند وكان له فيها حلقة للتدريس لكنها لا تماثل حلقته في مصر واشتغل فيها بالتأليف عن التدريس.


(١) ((خاطرات جمال الدين الأفغاني)) محمد المخزومي (ص ٣١).
(٢) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٧٤).
(٣) ((زعماء الإصلاح في العصر الحديث)) أحمد أمين (ص ١١٥ - ١١٦).
(٤) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٤٠).
(٥) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٣٢).
(٦) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>