للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن أردتم أن نسير على منهج "من فمك أدينك" فإنا فاعلون. بعد دخول الأفغاني إلى المحفل الماسوني تغيرت ثم لهجته في أحاديثه وأخذ يقرب منه العوام (١) لأي شيء يفعل هذا؟ أتظنون أنه فعل ذلك ليوضح لهم ما يجهلونه من أمور دينهم ولينزع الخرافات والمعتقدات الزائفة من أذهانهم والبدع والمنكرات من أفعالهم؟ كلا، إنه يقربهم ليقول لهم "إنكم معاشر المصريين قد نشأتم في الاستعباد وربيتم بحجر الاستبداد وتوالت عليكم قرون منذ زمن الملوك والرعاة حتى اليوم وأنتم تحملون عبء نير الفاتحين وتعانون لوطأة الغزاة الظالمين" (٢) إلى أن قال "تناوبتكم أيدي الرعاة ثم اليونان والرومان والفرس ثم العرب والأكراد والمماليك ثم الفرنسيس والمماليك والعلويين وكلهم يشق جلودكم بمبضع نهمه ويهيض عظامكم بأداة عسفة، وأنتم كالصخرة الملقاة في الفلاة لا حس لكم ولا صوت" (٣).

فعد السيد الأفغاني الفتح الإسلامي لمصر دخول العرب، وعد دخول العرب على حد تعبيره استعباداً واستبداداً وقرنه باستعباد اليونان والرومان والفرس والفرنسيس واستبدادهم ثم يسترسل في حديثه فيقول "انظروا أهرام مصر وهياكل منفيس وآثار تيبه ومشاهد سيوه وحصون دمياط شاهدة بمنعة آبائكم وعزة أجدادكم.

وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالرشيد فلاح (٤)

أذاً فهو لا يدعو عوام المسلمين الذين قربهم إليه بعد انضمامه إلى الماسونية لا يدعوهم إلى الدين الإسلامي إذ هو يشق جلودهم بمبضع نهمه ويهيض عظامهم بأداة عسفه كاليونان والرومان والفرس والفرنسيس، لا يدعوهم إلى الدين الإسلامي وإنما إلى النظر إلى أهرام مصر وهياكل منفيس ... الخ وكلها آثار فرعونية شاهدة على جاهلية تعبد الأشخاص والكواكب من دون الله، ولا شك أن دعوته إلى النظر فيها دعوة إلى الاقتداء بأصحابها.

وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم .. إن التشبه بالرشيد فلاح.

إذاً فهي دعوة إلى نبذ الدين الإسلامي – كما أفهمها – وهي جزء من أهداف الماسونية التي تحارب الأديان.

ثم ومما يزيد الأمر وضوحاً ذكر آثارا ميتة وجيفا منتنة ولم يذكر مصنع الرجال لكونه مأثرة إسلامية. أعني الجامع الأزهر ما الداعي إلى هذا التحامل ضد الإسلام ومآثره؟ وهل لهذا أيضاً صلة بانتمائه إلى الماسونية؟!

وبعد .. فلعلي أطلت الحديث هنا في هذا الموضوع لأنه الميزان الدقيق الذي نزن به الرجل هنا، ولأنه يكفي في بيان حقيقة الرجل أي رجل إبات انتمائه إلى الماسونية ..

فإن كان فيما ذكرنا من أدلة ما يثبت انتماء الأفغاني إلى الماسونية وظهور أثرها في أحاديثه وأقواله فقد انجلت الحقيقة .. حقيقة الرجل. وإن كانت لا تكفي لإثبات ذلك فإنها ولا شك أصابع تشير إلى الأفغاني بالاتهام.


(١) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) رشيد رضا (١/ ٤٦).
(٢) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٤٦ - ٤٧) , و ((زعماء الإصلاح في العصر الحديث)) أحمد أمين (ص ٧٨ - ٧٩).
(٣) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٤٦ - ٤٧) , و ((زعماء الإصلاح في العصر الحديث)) أحمد أمين (ص ٧٨ - ٧٩).
(٤) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٤٦ - ٤٧) , و ((زعماء الإصلاح في العصر الحديث)) أحمد أمين (ص ٧٨ - ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>