للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مصر كان يؤلب عليهم الناس حتى يقوموا بالثورة العرابية، وفي إيران يحرض مفتي إيران على تحريم الدخان لإبطال احتكار الإنجليز له في إيران تمهيداً لاحتلالها وفي باريس ينشئ مجلة العروة الوثقى التي تحارب الإنجليز أينما حلوا وتشنع عليهم وهو مع هذا يسرح في بلادهم ويمرح ويتردد بين لندره وباريز ولا يلقى سوى الترحيب. صحيح أنهم أدوا إلى تعطيل (العروة الوثقى) لكن صاحبها لا يجد مانعا من اللجوء إلى سفير بريطانيا في الآستانة ليساعده على الخروج منها (١) ولا تجد إنجلترا مانعاً قبل ذلك من عرضها له توليه السلطة في السودان (٢) وقبل هذا وذاك لا يجد السيد الأفغاني مانعاً من دخول المحفل الماسوني والاسكتلندي ولا يجدون هم أنفسهم مانعا من تعيينه رئيساً للمحفل. ولا يجد مانعا من التعاون مع الإنجليز! ضد من؟ ضد الخلافة الإسلامية؟!! قال السلطان المهضوم عبدالحميد في مذاكراته التي نشرت مؤخراً "وقعت في يدي خطة أعدها في وزارة الخارجية الإنجليزية كل من مُهرج اسمه جمال الدين الأفغاني وإنجليزي يدعي بلند، قالا فيها بإقصاء الخلافة عن الأتراك واقتراحا على الإنجليز إعلان الشريف حسين أمير مكة خليفة على المسلمين" (٣).ولهذا فلا عجب أن يصفه السلطان عبدالحميد بقوله "كان رجل الإنجليز ومن المحتمل جدا أن يكون الإنجليز قد أعدوا هذا الرجل لاختباري" (٤).أما بلنت هذا الذي أشار إليه السلطان عبدالحميد فهو وزوجته من أصدقاء الأفغاني الإنجليز وهو وزوجته ذوي نشاط مريب في بلاد العرب ويكفي نشاطهما ريبة دعوتهما إلى إنشاء دولة عربية حليفة لإنجلترا تصبح مقراً للخلافة الإسلامية ويكتب بلنت في ذلك كتابه المشهور المسمى (مستقبل الإسلام) (٥).

وصلة الأفغاني ببلنت هذا وزوجته أيضاً صلة مريبة فهي التي تفاوض باسمه الحكومة البريطانية وتبدي رأيها له في بعض المسائل وتطلب منه توجيهاته بعد هذا وتسعى لعقد الاجتماعات بينه وبين كبار الشخصيات حتى الإيرانية فتنظم له لقاء مع مالكوم خان سفير إيران لدى جميع الدول الأوروبية وهو نصراني ذو ميول أوربية وتفاوض باسمه بريطانيا في مسألة مصر ومسألة السودان وتكتب إليه بجواب الوزراء الإنجليز.

ومن يقرأ بتمعن تأريخ بلنت وزوجته يدرك أنهما يحاولان الظهور بمظهر التعلاطف مع قضايا "العرب" حتى ضد الإنجليز ولكن حقيقتهما إنهما من رجال الإنجليز وأكبر هذا دعوتهما لفصل العرب عن الخلافة الإسلامية وإنشاء دولة عربية حليفة لانجلترا تصبح مقراً للخلافة الإسلامية وفي هذا وحده ما يكشف حقيقتهما.

فما علاقة الأفغاني بهما وكيف يسمح لنفسه أن يتعاون مع الإنجليز لهدم الإسلام والخلافة الإسلامية وهو يسعى بزعمه وزعم المخدوعين به إلى الوحدة الإسلامية؟!

ومن المآخذ على الأفغاني تلك العبارة الخطيرة والألفاظ المنحرفة وهي وإن كانت غير صادرة منه ولكنها من تلاميذه وموجهة إليه ولو لم يكن بها راضياً لردع تلاميذه عنها ولعرفوا كراهيته لذلك فارتدعوا ولكنه لم يفعل فلم يفعلوا.

فمن ذلك ما كتبه إليه تلميذه إبراهيم اللقاني:-


(١) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) محمد رشيد رضا (١/ ٧٢) وحاضر العالم الإسلامي شكيب أرسلان (٢/ ٢٩٦).
(٢) ((جمال الدين الأفغاني)) محمود أبو رية (ص ٥٣).
(٣) ((مذكرات السلطان عبدالحميد)) ترجمة محمد حرب عبدالحميد (ص ٦٧).
(٤) ((مذكرات السلطان عبدالحميد)) ترجمة محمد حرب عبدالحميد (ص ٦٨).
(٥) ((الإسلام والحضارة الغربية)) محمد محمد حسين (ص ٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>