للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يثير الريبة والشكوك في الأفغاني هذا الخليط من اليهود والنصارى الذي يحيط به، سليم نقاش من نصارى الشام وهو ماسوني ووضع كتابا تبدو فيه أهداف الماسونية بارزة في عنوانه (مصر للمصريين) وهو يذكرنا بدعوة الأفغاني للمصريين بالنظر ليس إلى الآثار الإسلامية بل إلى الآثار الفرعونية المصرية، وفي هذا فصل لمصر عن المسلمين والإسلام. وأديب إسحاق من أكثر الدعاة إلى الماسونية حماسا وقف نشاطه الصحفي على هذا وهو أيضاً من نصارى الشام انتظم في سلك الماسونية سنة ١٨٧٣م في محفل أنشأه الماسون في بيروت ذلك العام ثم وقف نشاطه على الدعوة إلى الماسونية في بعض الصحف ولم يكتف بهذا بل قام بطبع مقالاته تلك في كتاب ضخم (١) ومع هذا فقد كان الأفغاني لآخر نسمة من حياته – كما يقول تليمذه المخزومي – عند ذكر أديب بك إسحاق يسترجع يقول: كان طراز العرب وزهرة الأدب، قضى نحبه في شرخ الشبوبة وعنفوان الفتوة وترك لنا قلوباً آسفة وشجوناً فائضة إنا لله وإنا إليه راجعون" (٢).ومع هذا أيضاً فقد أسند الأفغاني إدارة أول صحيفة أنشأها (مصر) الأسبوعية سنة ١٨٧٧م إلى أديب إسحاق هذا؟! ثم ساهم في إنشاء جريدة (التجارة) وتولى رئاستها أديب إسحاق وسليم نقاش وكان الأفغاني يساهم بالكتابة فيها ويوصي تلاميذه بخدمة هاتين الصحيفتين قلماً وسعياً (٣).

وهكذا نرى الأفغاني يمكن النصارى من أجهزة الإعلام ويصرف النقود ويفتح المطابع ويحصل على الامتيازات ليسلمها لهم. وكان من المحيطين به من النصارى جورج كوتجي وطبيبه الخاص هارون يهودي (٤). ولم يحضر وفاته إلا كوتجي النصراني وهارون اليهودي وعند قدومه إلى مصر يسكن في حارة اليهود (٥).

ومن المآخذ عليه صلته بالإنجليز المريبة ورجال الإنجليز، وفي الحقيقة أنه لم تتضح لي حقيقة علاقة الرجل بالإنجليز فهو معهم أحد رجلين لا محالة: إما عدو ساذج مغفل اتخذوه مطية لهم لتحقيق مآربهم، وإما صديق مخلص ذو مكر ودهاء.

وحسب ما نعرف من تاريخ الرجل فإن أول صلة بين وبين الإنجليز حينما انضم إلى محمد أعظم في أفغانستان ضد شير علي وانتصر الثاني لتأييد الإنجليز له ولم يجد الأفغاني بدا من الهرب.


(١) ((الماسونية بلا قناع)) أبو صادق (ص: ٢٣٣ - ٢٣٤).
(٢) ((خاطرات جمال الدين الأفغاني)) محمد المخزومي (ص ٢٢) الهامش.
(٣) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) للسيد محمد رشيد رضا (١/ ٤٥).
(٤) ((الإسلام والحضارة الغربية)) محمد محمد حسين (ص ٦٩).
(٥) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) محمد رشيد رضا (١/ ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>