للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو مدرسة دينية عامة يأتي الناس إليها إما رغبة في تعلم العلوم الدينية رجاء ثواب الآخرة وإما طمعا في امتيازات لطلاب العلم فيه ومما يؤسف عليه أنه لا نظام لها في دروسها ولا يبالي الأساتذة بحضور الطلاب أو غيابهم وفهمهم أو عدمه وصلاح أخلاقهم أم فسادها ويتعلمون طرقا من العقائد على منهج يبعد عن حقيقته أكثر مما يقرب منها ثم يتكلم عن إصلاح الأزهر وأنه لابد أن يكون بالتدريج في تغير نظام الدروس وجعلها في البدء تحت قواعد ساذجة قريبة من الحالة الحاضرة فيها بوجوب الحضور للطلبة وإلا حرم من الامتيازات وكل أستاذ يسأل عن طلبته وتغير برنامج الدروس وزيادة أصناف من الكتب وتعديل نظام الامتحان النهائي وشروطه. ثم تكلم عن الكتاتيب الأهلية وأن إصلاحها بالتدرج في إصلاح الفقهاء المدرسين فيها ثم تكلم عن المكاتب الرسمية الابتدائية والمدارس التجهيزية والمدارس العالية بوجوب غرس مبدأ الصلاح في نفوس التلاميذ ليحسنوا استعمال ما تعلموا ثم يتحدث عن المعلمين والمربين ومدرسة دار العلوم وشروط الانتساب إليها وغاية إنشائها وهي إعداد خريج الأزهر لتدريس العلوم العربية والدينية ويستغرب أمر نظار دار العلوم وجهلهم بالدين والعربية ويرى إمكانية حلول دار العلوم هذه عن الجامع الأزهر ولكن يلزم لذلك أمور اثنا عشر ذهب يعددها كإصلاح البرنامج وحذف بعض العلوم وتغير طريقة تفسير القرآن واختيار المعلمين الصالحين وناظر للمدرسة وتحديد الدراسة فيها سنة للتدريب على التعليم ونحو ذلك. ثم أنه يلزم كتب تؤلف جديداً ولوائح تنظم للعمل على مقتضاها كان ذلك إيجازا لتلك اللائحة التي نبذها من كتبت له وراء ظهره ولم يوافق الخديو توفيق على تعيين صاحبها بعد عودته من سوريا مدرساً في دار العلوم بل أمر بإقصائه عن التعليم فعين قاضياً في الريف (١).واستمر بعد هذا في إصلاحه للأزهر الذي كان يسميه بـ "الإصطبل" و"المارستان" و "المخروب" (٢) ولم تتح له الفرصة للإصلاح إلا بعد أن تولى عباس الثاني الخديوية سنة ١٨٩٢م الذي أراد مناهضة الاحتلال الذي استأثر بالحكم فقرب الزعماء والعلماء المصريين وكان من بينهم الأستاذ الإمام محمد عبده فذكر له أنهم تركوا له الأزهر والأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية وبصلاحها صلاح للبلاد وهي أقرب وسيلة للقضاء على الاحتلال (٣) فاقتنع عباس بهذا وأصدر مرسوماً يقضي بإنشاء مجلس لإدارة الأزهر من أعضائه محمد عبده سنة ١٣١٢هـ وأمر بتعيين الشيخ حسونة شيخا للأزهر سنة ١٣١٣هـ بعد استقالة الشيخ الأنبابي الذي يعارض هذا الاتجاه فبدأ في الإصلاح الحسي والمعنوي فأنار المسجد وعين طبيباً وفتح صيدلية للأزهر وأنشأ الميضأة الصحية وتجديد مبان صحية في الأروقة وحددت مدة الدراسة وامتحان سنوي لمن يغب مع مكافأة مالية للناجحين واستبدال الكتب النافعة بالكتب الضارة – حسب قولهم – وجعل مدة دراسة المقاصد كالفقه والتفسير أطول من مدة الوسائل كالنحو والصرف وبزيادة علم الأخلاق والتاريخ وتقويم البلدان والرياضيات وغير ذلك كثير من الإصلاحات التي نفذ القليل منها وترك الكثير إذ لم يلبث أن تغير ظن عباس باشا بالأستاذ الإمام أدى إلى خلاف فاستقال محمد عبده في محرم سنة ١٣٢٣هـ وكان هذا آخر جهوده في إصلاح التعليم. فمات بعد ذلك بفترة قصيرة.


(١) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (٢/ ٥٣٣، ٥٥٣).
(٢) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٤٩٥).
(٣) ((المجددون في الإسلام)) عبدالمتعال الصعيدي (ص ٥٣٤ - ٥٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>