للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصلح السياسي: كان من أهداف الإمام الإصلاح السياسي للبلاد حيث يقول "وهناك أمر آخر كنت من دعاته والناس جميعاً في عمى عنه وبعد عن تعقله ولكنه هو الركن الذي تقوم عليه حياتهم الاجتماعية" (١) ثم يبين دعوته بقوله "ذلك هو التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة" (٢) ثم يبين حالها "وجهرنا بهذا القول" (٣) وحال الدولة "والاستبداد في عنفوانه والظلم قابض على صولجانه" (٤) وحال الداعي "نعم أنني لم أكن الإمام المتبع ولا الرئيس المطاع غير أني كنت روح الدعوة" (٥) وزاد هذه الدعوة اشتعالا اتصال صاحبها بالأفغاني الذي زادها اتساعاً وعمقاً ولم يلبث الأفغاني أن نفي من البلاد لهذا النشاط وعزل الإمام عن عمله وأجبر على الإقامة في بلده وبعد العفو عنه وعودته إلى العمل كانت في البلاد حركة ضد الاحتلال يقودها عرابي كان من أسبابها نشاط الأفغاني السابق نفي الإمام أن يكون له بها صلة بل إنه كان يحذرهم من هذا الأسلوب ويندد بزعمائها حتى أرسل إليه عرابي (٦) من يتهدده ويعلل رشيد رضا رفض الإمام للحركة مع دعوته للإصلاح السياسي أنه كان يحاول ذلك برضا الأمير وحكومته لا بالخروج عليه (٧) ولما استفحلت الحركة العرابية وضرب الأسطول الإنجليزي الإسكندرية انضم الشيخ محمد عبده إلى العرابيين وبعد القضاء على الثورة العرابية حكم على الإمام بالنفي ثلاث سنوات فاتجه إلى الشام ثم غادرها بعد ذلك إلى باريس حيث التقى هناك بالأفغاني وأنشئا جريدة (العروة الوثقى) التي كانت حربا على الاستعمار الإنجليزي وكانت الأفكار للأفغاني والعبارة للإمام (٨) ثم توقفت الجريدة بعد فترة قصيرة واهتزت العلاقة بين الأستاذ وتلميذه فقد كان الأستاذ يرى الاستمرار في الإصلاح عن طريق الثورة السياسية واكتفى محمد عبده بما حصل له من السياسة ورأى التحول إلى أسلوب التربية والتعليم قائلاً لأستاذه "أرى أن نترك السياسة ونذهب إلى مجهل من مجاهل الأرض لا يعرفنا فيه أحد نختار من أهله عشرة غلمان أو أكثر من الأذكياء السليمي الفطرة فنربيهم على منهجنا ونوجه وجوههم إلى مقصدنا فإذا أتيح لكل واحد منهم تربية عشرة آخرين لا تمضي بضع سنين آخرى إلا ولدينا مئة قائد من قواد الجهاد في سبيل الإصلاح ومن أمثال هؤلاء يرجى الفلاح "فقال له السيد إنما أنت مثبط نحن قد شرعنا في العمل ولابد من المضي فيه ما دمنا نرى له منفذاً (٩) فكان الفراق. وعاد الإمام إلى الشام وازدادت العلاقة سوءاً بين الأستاذ وتلميذه حينما كتب الثاني إلى الأول بعد استقراره في الآستانة كتاباً غفلاً من التوقيع وتلميحاً لبعض الأشخاص من غير ذكر أسمائهم فغضب السيد وكتب إليه يقول بعد الدعاء له بتثبيت الجأش "تكتب ولا تمضي وتعقد الألغاز .. إنك في آفاق مكفهرة .. وأمامك الموت .. لا ينفعك الحذر من الأول ولا ينجيك الخوف من الثاني فلا تضيق على نفسك فكن فيلسوفاً يرى العالم ألعوبة ولا تكن صبياً هلوعاً .. قوى الله قلبك" (١٠).ولعل هذا آخر ما كان بينهما من تواصل (١١)


(١) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ١٢).
(٢) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ١٢).
(٣) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ١٢).
(٤) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ١٢).
(٥) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ١٢).
(٦) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ١٤٦).
(٧) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ١٤٩).
(٨) ((جمال الدين الأفغاني)) محمود أبو رية (ص ٤٣) وانظر ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٢٨٩).
(٩) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٤١٦ - ٤١٧).
(١٠) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٨٩٧).
(١١) ((زعماء الإصلاح في العصر الحديث)) أحمد أمين (ص ١١٥ - ١١٦) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>