للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما عن نشاطه في هذه الجمعية فقد تقدم بيانه. ومن أهم المآخذ عليه علاقته المريبة بالإنجليز كأستاذه الأفغاني فقد كان الإمام محمد عبده يبذل لهم النصيحة خالصة ويرشدهم إلى ما يوطد دعائم احتلالهم ويحذرهم من الأخطاء التي يكادون أن يقعوا فيها وتضرهم في مصالحهم، نذكر لذلك مثلا بعزيمة اللورد كرومر على إلغاء النيابة العامة وإحالة أعمالها إلى القضاء، فحذره محمد عبده بأن هذا خطأ لا يحتمل الصواب وعلل ذلك بأن رجال النيابة من أرقى رجال البلاد علما وعقلاً ولسانا وقلما وستتوجه همة كل من تلغى وظيفته إلى الاشتغال بالسياسة فيتعبون البلاد والمسؤولين عن النظام تعباً كبيراً" (١) فأبطل اللورد المشروع فوراً. بل ويدل على ما قدمه لهم من خدمات دفاعهم عنه والوقوف بجانبه فقد صرح اللورد كرومر بأن الشيخ محمد عبده يظل مفتياً في مصر ما ظلت بريطانيا العظمى محتلة لها" (٢) وكان الاحتلال الإنجليزي عاملاً أساسياً من عوامل عودة محمد عبده إلى مصر وقد صرح اللورد كرومر بذلك في كتابه (مصر الحديثة) فقال: إن العفو صدر عن محمد عبده بسبب الضغط البريطاني" (٣).وقدم له الإنجليز الحماية في الآستانة حين كثرت الدسائس ضده يقول تلميذه السيد رشيد رضا "كان المراد من الدسائس ... أن يحبس الأستاذ الإمام أو يهان وهم لا يجهلون أن السفارة البريطانية كانت بالمرصاد وأنها لا تسكت للحكومة الحميدية على ذلك لو أقدمت عليه والسلطان ورجاله لا يجهلون هذا أيضا" (٤). ويكتب الشيخ عبده نفسه إلى السيد رشيد قائلاً "إن السلطان لا يستطيع حبسي لو أراده وهو يعلم عجزه عن ذلك حق العلم ولذلك أسباب لا أحب ذكرها الآن" (٥).

فأي علاقة تربطه بالإنجليز حتى يوفروا له كل هذه الحماية؟! وأي أسباب لا يحب الشيخ محمد عبده ذكرها؟!

ثم لا ندري كيف تستقيم عقيدة الرجل وقد كلت أبصارنا من قراءة عبارات له خطيرة يبدو الانحراف ظاهراً في عقيدة قائلها. فمن ذلك ما ورد في كتابه الذي أرسله من السجن إلى أحد مريديه" ... ودارت الأفلاك دورة العكس ذاهبة بنيراتها إلى عوالم غير عالمنا هذا فولى معها آلهة الخير أجمعين وتمخضت السلطة لآلهة الشر" (٦).

ولا يصح تخريج تلميذه رشيد لهذا بأنه على الحكاية لخرافات اليونانيين وهو إن كان قال هذا عن اعتقاد فلا شك في كفره إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ [الصافات: ٤].

ومن ذلك ما كتبه إلى أستاذه الأفغاني قائلاً:

"ليتني كنت أعلم ماذا أكتب إليك، وأنت تعلم ما في نفسي كما تعلم ما في نفسك، صنعتنا بيديك وأفضت على موادنا صورها الكمالية وأنشأتنا في أحسن تقويم فيك عرفنا أنفسنا وبك عرفناك وبك عرفنا العالم أجمعين فعلمك بنا كما لا يخفاك علم من طريق الموجب وهو علمك بذاتك وثقتك بقدرتك وإرادتك، فعنك صدرنا وإليك إليك المآب.


(١) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) محمد رشيد رضا (١/ ٩٢٢.
(٢) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) محمد رشيد رضا (١/ ٥٠١، ٥٦٤.
(٣) الفكر الإسلامي المعاصر: غازي التوبة (ص ٤٥).
(٤) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٨٦٠).
(٥) ((الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده)): محمد عمارة (١/ ١١٧.
(٦) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) رشيد رضا (١/ ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>