ومن هنا – أيضاً – ندرك عمق الصلة بين الفكرتين فكرة خلف الله وفكرة الشيخ عبده وتلاميذه في قصص القرآن الكريم ولهذا حرص أمين الخولي المشرف على الرسالة المنحرفة على التصريح بأن جامعة فؤاد التي رفضت الرسالة المنحرفة هذه "ترفض اليوم ما كان يقرره الشيخ محمد عبده بين جدران الأزهر منذ اثنين وأربعين عاما" (١).
ولا شك بعد هذا أن هذا الزعم في قصص القرآن الكريم بأنها مخالفة لحقائق التاريخ وأن المراد بها التمثيل لا الحقيقة التاريخية لا شك أنه أثر من آثار مدرسة المنار، كيف لا وهو إنما يستشهد بأقوال أستاذهم وإمامهم.
وسواء أكان الأستاذ الإمام يقصد ما قصده خلف الله أم لم يقصده فإن الصلة بين القولين ولا شك بينة وواضحة.
بقي أن نقول أن هذه الرسالة أيضاً لقيت ردود فعل قوية واحتجاجات الرفض حتى رفضتها الجامعة، وفي الوقت نفسه كان الترحيب والقبول لما جاء به محمد عبده وتلاميذه؟!
ج- في السنة النبوية:
منذ صدع رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أمر، وأعرض عن المشركين، ومنذ أنذر عشيرته الأقربين وخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين وقال أنا النذير المبين، منذ ذلك الحين وأعداؤه وأعداء الدين ما فتئوا يكيدون للإسلام وأهله ويحاربونه بكل وسيلة وكل سبيل.
زعموا أن القرآن أساطير، وزعموا أن محمداً ساحر وشاعر وكاهن، وزعموا أنه صلى الله عليه وسلم "كذاب أشر" وزعموا أنه عبقري لا نبي، وزعموا أن الإسلام مجموعة أفكار إصلاحية بشرية لا دين إلهي.
منذ ذلك الحين والدين الإسلامي في دوامة المعركة بين الحق والباطل بين حفظ الله ومكر الكافرين، ويبتلي الله المؤمنين بين حين وآخر في ذلك الصراع بين ضعف المسلمين وقوتهم.
وكانت المؤامرات العدائية للإسلام تلبس لكل حالة لباسها فتسلك سبيل السلاح حين تضعف قوة المسلمين، وتتخذ التخريب والتدمير والقتل شأنها من غير تفكير في إصلاح اعوجاج أو تعديل انحراف.
وإذا ما عجزت سبيل الحرب عن تحقيق أهدافها لبست لذلك لباساً آخر لباس الحرب الفكرية، وهم يجمعون بين السبيلين في أحيان كثيرة فيشككون في القرآن وفي محمد وفي السنة وفي الإسلام كله ويبثون أفكارهم تلك بين نابتة المسلمين وغيرهم.
وتنشأ هذه النابتة على رفض الإسلام أو رفض شيء من تعاليمه وأفكاره ومبادئه، لا تلبث أن تشتعل فيهم اشتعال النار في الهشيم فيكونون على الإسلام عبثاً أكبر من عبثهم ويحسب الجاهلون أن لا علاقة لأعداء الدين بهذا التشكيك والحرب من المنتسبين إليه ومن داخل حصونه.
ويزيد قوم الأمر سوءاً حين يقولون ما يتمسك به المنحرفون، ويشد عضدهم ويفتح لهم سبلاً كانوا عنها غافلين.
قالوا أن قصص القرآن تمثيل وتخييل وجاء من يقول أنها أساطير مخالفة للواقع، وقالوا أن الوحي عرفان يجده الشخص في نفسه ... إلخ فجاء من يقول أن محمداً عبقري وأن القائلين بنبوته يكسبون بالاعتراف بعبقريته كسباً عظيماً، قالوا إن حديث أبي هريرة الذي قال فيه كذا وكذا لا يبعد أن يكون قد رواه عن كعب الأحبار أو وهب بن منبه فجاء من يسب أبا هريرة رضي الله عنه، ويشتمه ويرفض أحاديثه كلها صحيحها وضعيفها، قالوا إن السنة ليست ديناً إلا من حيث أنها مبينة للقرآن فجاء من ينكر السنة كلها ويرفضها.
لم يكن بين الفريقين كبير فارق في الزمن أو الفكرة بل كانوا من المعاصرين لهم وكانوا من الناشرين لأفكارهم الإلحادية المروجين لها بل والمشاركين في صياغتها.
ينشر الأستاذ محمد حسين هيكل كتابه (حياة محمد) ينكر فيه معجزاته صلى الله عليه وسلم ويقدم للكتاب الشيخ محمد مصطفى المراغي ويقرظه السيد رشيد رضا؟!
(١) ((الفن القصصي في القرآن الكرم)) محمد أحمد خلف الله (ص ح).