للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج- وإذا كانت الزوجة الجديدة قد فهمت من الزوج أنه غير متزوج بسواها ثم ظهر أنه متزوج فلها أن تطلب التفريق. كما نصت هذه المادة على أن "التفريق للزواج بأخرى طلاق بائن" (١). وهذا لا شك "قيد ثقيل يعز تحققه .. "؟! والاتجاه العام إلى تقييد تعدد الزوجات سائر على منهج مدروس وقد بدأت بعض السلطات في بعض البلدان الإسلامية في إصدار قوانين تحرم من يعدد زوجاته من بعض الحقوق أو المزايا التي يتمتع بها سائر المواطنين كحرمانه من الاشتراك في نقابة أو ناد معين أو قصر الإعارة للخارج على المتزوجين بواحدة أو السماح بالعلاج المجاني لزوجة واحدة أو قصر الإعفاء الضريبي على المتزوجين بواحدة (٢) ونحو ذلك.

وهذا كله ولا شك في سبيل "تقييد تعدد الزوجات بقيد ثقيل ... يعز تحققه – ومن لم يلتزمه فزواجه غير "إسلامي" "والانتقال بعد هذا إلى الخطوة الأخرى "منع تعدد الزوجات" دفعة واحدة" وبهذا لا يشق هذا الأمر على "من اعتاد على تعدد الزوجات"؟!

هـ- في السياسة:

عمى الألوان مرض يصيب البصر لا يستطيع صاحبه التفريق أو التمييز بينها، وأحسب أن عمى الألوان هذا يصيب البصيرة فلا يستطيع صاحبه أن يفرق بين دين ودين، ومنهج وآخر.

نظرت طائفة من المسلمين أو من المنتسبين للإسلام إلى ما حدث في أوروبا في العصور الوسطى، وإلى ما حدث من صراع هناك بين الدين والعلم، وبين الدين والسياسة، وبين الدين والدولة، نظروا إلى "رجال دين" يستندون إلى كتب "محرفة" وما فيها يخالف حقائق العلم ونظرياته، أضف إلى هذا تشدد أولئك "رجال الدين" في مواجهة خصومهم.

ليس هناك مجال آخر دين محرف أقواله تصادم حقائق علمية، ورجاله متصلبون متشددون، فكان لابد من قيام ثورة للفصل بين الدين والدولة، بين الدين والسياسة بين الدين والعلم، فعزلوا الدين وأقصوه.

حسب من أصيب بعمى البصيرة أن كل دين كهذا الدين المحرف، فأراد من ينتسب إلى الإسلام منهم أن يطبق تلك الثورة على دينه الذي ينتسب إليه – إما عن جهل منه وإما عن خبث فيه – فدعوا إلى فصل الدين عن الدولة، وجعل الدين مجرد عبادة تؤدى في المسجد فإذا خرجت إلى الشارع فقد تعدت حدودها وتجاوزت مراسيمها ووجب عقابها وقمعها.

فليبق الدين في المسجد؟!

ولتبق الوطنية والقومية .. الخ في الشارع، وليسرح الناس وليمرحوا حسب نظامهما، دينهم الوطن وعقيدتهم القومية. وكان من السابقين السابقين إلى هذه الدعوة الشيخ محمد عبده حيث قال "إن خير أوجه الوحدة الوطن لامتناع الخلاف والنزاع فيه" (٣) والشيخ نفسه هو الذي صاغ برنامج "الحزب الوطني" المصري وجاء فيه "الحزب الوطني حزب سياسي لا ديني فإنه مؤلف من رجال مختلفي العقيدة والمذاهب، وجميع النصارى واليهود وكل من يحرث أرض مصر ويتكلم بلغتها منضم إليه" (٤) ودافع عن القبط في مصر قائلاً "ليس من اللائق بأصحاب الجرائد أن يعمدوا إلى إحدى الطوائف المتوطنة في أرض واحدة فيشملوها بشيء من الطعن أو ينسبوها إلى شائن من العمل تعللاً بأن رجلاً أو رجالاً منها قد استهدفوا لذلك ... " (٥).


(١) ((تعدد الزوجات)) عبدالناصر توفيق العطار (ص ٣١٦ - ٣١٧).
(٢) ((تعدد الزوجات)) عبدالناصر توفيق العطار (ص ٣٢٠).
(٣) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) رشيد رضا (٢/ ١٩٤).
(٤) ((الأعمال الكاملة لمحمد عبده)) جمع محمد عمارة (١/ ١٠٧) و ((التاريخ السري)) بلنت (ص ٤٤٢).
(٥) ((الأعمال الكاملة لمحمد عبده)) جمع عمارة (١/ ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>