للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الاستدلال بما قرره النحاة فهو تحريف لقولهم ولا يستغرب ممن كذب على القرآن أن يكذب على النحاة؟ لم يقل النحاة بأن النفي بلن نفياً باتاً أي دائماً إلا الزمخشري المعتزلي قال ذلك ليؤبد النفي في قوله تعالى لموسى لَن تَرَانِي [الأعراف: ١٤٣] حتى يستدل بها على إنكار رؤية الله التي لا يؤمن بها المعتزلة، والنحاة – سواه – على الضد من ذلك فقد قالوا:-

ومن رأى النفي بلن مؤبداً فقوله أردد وسواه فاعضدا.

نعد الحديث بعد هذا إلى شيخ أزهري هو الشيخ عبدالمتعال الصعيدي، والأزهريون متهمون بالجمود والتزمت وهما صفتان أوحى بهما الاستعمار إلى شباب المسلمين حينذاك لينفروا من الأزهر وشيوخه ثم ينفروا من الدين كله بالتبع، أراد هذا الشيخ أن ينفي هذه التهمة فأخطأ الطريق – وما هكذا تورد الإبل يا سعد – تقرب إليهم بالدعوة إلى تحريم تعدد الزوجات؟! أليست هذه الصفة من مآخذ الاستعمار على الإسلام؟! أي طريق يسلك إلى ذلك؟ استمداد ذلك من آية إباحة التعدد كما فعل عبدالعزيز فهمي أمر قد سبق إليه، وهو يريد أن يأتي بجديد فقال "لا ينكر أحد أن ينقلب المباح حراماً إذا نهى عنه ولي الأمر لمصلحة تقتضي النهي عنه كأن ينهى عن زرع القطن في أكثر من ثلث الملك تجب طاعته شرعاً في ذلك وتحرم مخالفته فيه ... وكذلك الأمر في تعدد الزوجات فلولي الأمر أن ينهى عنه إذا أساء المسلمون استعماله فيصير حراماً لنهيه عنه وإن كان في ذاته مباحاً وهذا أمر معروف بين العلماء" (١)؟! وهو حينما يقول هذا يؤكد أن المسلمين قد أساؤوا استعماله ويرشد إلى الطريق السليم لتحريم التعدد كما أرشد إليه سلفه محمد عبده وتلاميذه قال الشيخ عبدالمتعال "ولعل مما يدعو إليه هذا أن الناس لم يتهيئوا بعد لفهم هذا الحق بل يعدوه خروجاً على الدين، فيحمل هذا ولي الأمر على أن يستثني في ذلك ما يستثني، ولا يذهب فيه إلى آخر ما جعله الله من حقه" (٢).لذلك فلا عجب أن يقول الدكتور عفت محمد الشرقاوي معلقاً على ما ذهب إليه عبدالعزيز فهمي ونعم به عبدالمتعال "ومع ما يبدو في هذا من الغرابة والتجوز في الاستنتاج، وخروجه عن مألوف المأثور، فإنه كان النتيجة الطبيعية لشدة تأثرنا بالنظم الأوروبية في تشريع الزواج ... وكان ذلك في جملته تطوراً واضحاً لنزعة قديمة حمل لواءها "محمد عبده" محاولا التفريق بين النص القرآني وهذا التصور الجديد" (٣).

كانت هذه هي الحال إلى سنة ١٩٦٧م ففي هذه السنة صدر قانون الأسرة في مصر والجديد الذي جاء فيه ما نصت عليه المادة "١٣٤":

أ- للزوجة التي تزوج عليها زوجها وإن لم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها أن تطلب التفريق بينها وبينه وفي مدى شهرين من تاريخ علمها بالزواج ما لم ترض به صراحة أو دلالة.

ب- ويتجدد حقها في طلب التفريق كلما تزوج بأخرى.


(١) ((مجلة الرسالة)) (العدد ٧٧٣) السنة ١٦ إبريل ١٩٤٨م ط٤٨٩ – عبدالمتعال الصعيدي.
(٢) ((مجلة الرسالة)) (العدد ٧٧٣) السنة ١٦ إبريل ١٩٤٨م ط٤٨٩ – عبدالمتعال الصعيدي.
(٣) ((الفكر الديني في مواجهة العصر)) عفت الشرقاوي (ص ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>