للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن فحياته صلى الله عليه وسلم ليست حياة نبوة، لأن حياة النبوة ليس في قدرة الإنسان بلوغها حتى يحاول ذلك وليست غاية ما يستطيع الإنسان أن يبلغ لأن غاية ذلك دونها بكثير، وإنما هذا شأن السمو الإنساني المجرد من النبوة وإن شئت فسمه العبقرية. والاعتراف بالعبقرية لنبينا صلى الله عليه وسلم لا يكفي لصحة الإيمان برسالته إلا عند المنهزمين أمام العلمية الغربية الذين اعتبروا أن الاعتراف "بأن محمداً صلى الله عليه وسلم كان عبقرياً من طراز خاص فاق به جميع العباقرة" أنه "كسب عظيم للقائلين بنبوته" (١).وتأثرهم بالعلمية الغربية والمستشرقين تجاوز حده إلى قبول أقوالهم وأخذها بعين الاعتبار وتقديمها في الحكم على الأحاديث ومن حيث السند أيضاً على أقوال أهل الحديث أنفسهم، فحديث شق الصدر الذي رواه البخاري ومسلم يقول فيه هيكل "لا يطمئن المستشرقون ولا يطمئن جماعة من المسلمين كذلك إلى قصة الملكين هذه ويرونها ضعيفة السند" (٢) ويقول "وإنما يدعو المستشرقين ويدعو المفكرين من المسلمين إلى هذا الموقف من ذلك الحديث أن حياة محمد كانت كلها إنسانية سامية وأنه لم يلجأ إلى إثبات رسالته إلى ما لجأ إليه من سبقه من أصحاب الخوارق" (٣).وقد أنكر هيكل غير هذا من الخوارق والمعجزات المحمدية ففي قصة فرس سراقة مثلاً زعم أن ما أصاب فرسه من الكبو إنما هو "لشدة ما جهده" وعند قومة الجواد من كوبته الثانية "كبا كبوة عنيفة ألقى بها الفارس من فوق ظهره يتدحرج في سلاحه وتَطَيَّر سراقة، وألقى في روعه أن الآلهة مانعة منه ضالته وأنه معرض لنفسه لخطر داهم إذا هم مرة رابعة لإنفاذ محاولته" (٤).والذي ورد في صحيح البخاري قول سراقة نفسه في وصف ما جرى له ولفرسه عند مطاردته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه في طريق هجرتهما من مكة إلى المدينة قال عن ذلك (ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان "أي غبار" ساطع في السماء مثل الدخان) (٥).


(١) ((مجلة الأزهر)) ج١ المجلد العاشر محرم ١٣٥٨هـ مقال ((السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة)) محمد فريد وجدي (ص ١٥).
(٢) ((حياة محمد)) محمد حسين هيكل (ص ١١١ – ١١٢).
(٣) ((حياة محمد)) محمد حسين هيكل (ص ١١١ - ١١٢).
(٤) ((حياة محمد)) محمد حسين هيكل (ص ٢٢٧).
(٥) رواه البخاري (٣٩٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>