للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن ففقه الإسلام وحقيقته تحتم الأخذ بالسنة مع القرآن الكريم، وبهما معاً يكون كمال الإسلام ومن نبذ أحدهما فقد نبذ الإسلام كله لأن الإسلام كل لا يتجزأ "والإسلام الكامل" الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله وأمر بنشره جاء بالمعجزات ورواها عنه أصحابه إلى أن وصلت إلينا كما وقعت، وإن أصاب رواياتها ما أصاب غيرها من الروايات من الزيادة أو النقص أو الوضع فإن هذا لا يبرر رفضها جميعا وإنكارها. فإن أهل الحديث قد محصوا الروايات ونقوها من الزيادات الموضوعة وبينوا الدخيل منها والأصيل.

ولو أنه دعا إلى التمحيص والتدقيق القائم على القواعد والأسس الثابتة التي سار على نهجها سلفنا علماء الحديث لحمدنا له ذلك ولامتدحناه، أما أن يرفض المعجزات النبوية التي رويت في الصحاح وأقرها علماء الحديث المسلمون يرفض هذا كله لمجرد أن شابه بعض الوضع فهذا منهج مردود.

أما الزعم بأنه مخالفة للعقل أو العلم فهذا لا يثبت ولا يصح وقد سبق بحثه في المعجزات.

وليعلم أولئك الذين يسعون لتجريد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من المعجزات تقرباً منهم "للعلمية الغربية" إنهم بهذا يجنون جناية لا تغتفر وأنهم بهذا يجردونه من صفة النبوة إلى صفة "العبقرية" التي يقر بها بعض "أحرار الإفرنج" ويطمعون منا أن نسلم لهم بهذا وهو ما يؤدي إليه تجريده صلى الله عليه وسلم من المعجزات. وحتى ندرك عمق هذا الأثر لنقرأ النتيجة التي توصل إليها هيكل في كتابه حياة محمد بعد أن جرد حياته صلى الله عليه وسلم من المعجزات "المادية" قال "فحياة محمد – كما رأيت – حياة إنسانية بلغت من السمو غاية ما يستطيع إنسان أن يبلغ، وكانت لذلك أسوة حسنة لمن هداه القدر أن يحاول بلوغ الكمال الإنساني من طريق الإيمان والعمل الصالح" (١).

وتأمل معي وصفه لحياته صلى الله عليه وسلم بأنها بلغت "غاية ما يستطيع إنسان أن يبلغ" وأنها "أسوة حسنة" لمن "يحاول بلوغ الكمال الإنساني".


(١) ((حياة محمد)) محمد حسين هيكل (ص ٥٧٩ - ٥٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>